نورك غطى الكهرباء يا جاسر
بدرية البشر
07-04-2014 05:58 PM
حين علمت أن جارتي الزميلة الكاتبة ثريا الشهري ستغادر هذه الزاوية، التي اعتدنا التناوب على الكتابة فيها نظراً إلى عدم تفرغها حزنت، إذ كانت جيرتها جناحاً متوازناً، فهي توفر لقرائها شرفة رائقة متأملة على الغالب في الفنون والجمال والفلسفة، وحواراً متزناً في الشأن الاجتماعي يخفف من إزعاجي المستمر لسكان العمارة (الصحيفة)، لكن عزائي برحيلها أن جاراً جديداً سيحل محلها، هو الزميل جاسر الجاسر الكاتب والصحافي المشهور بأكثر من صفة - أعانكم الله على كلينا -، فجاسر الجاسر صحافي وكاتب عريق في الوسط الصحافي، وله مشاغبات ربما تجعلني مقارنة به قطة أليفة لا تنشد إلا السلامة، إن كان عازماً على الحضور كما عهدناه في جرأته وإقدامه.
كما أن جاسر كاتب لاذع قادر على الجمع بين الصمة القشيري وستيف جوبز في مسرحية كوميدية ساخرة، واكتسب جاسر خبرته الصحافية الممزوجة بمهارة تخصه وحده عبر عمله الصحافي الطويل، إذ اشتغل في مطبخ الصحافة أعواماً، ثم انتقل إلى صالونها الديبلوماسي في رئاسة تحرير أكثر من صحيفة مرة بالنيابة ومرة بالأصالة. فوجئت أنه بدأ حياته ناقداً أدبياً تولى نصوص الحداثيين بالنقد والفكفكة الفكهة، ثم انتهى ناقداً في الشأن الاجتماعي، وناصر المرأة كثيراً في مواقفه ودفع الثمن غالياً.
مرة يكتب بلغة كوفية مطلعها: «حدثني شيخي»، ومرة يكتب بلغة صحافية يكون مطلعها: «أوم أوف وأنت بتكلمني». يتمتع بمرونة القفز على الحبال الصحافية، فهو يشاغب حين يكون صحافياً وكاتباً، ثم يلبس بدلة الضابط الصارم حين يكون رئيس تحرير، فلا يستطيع أحد معارضته، وسمعت أن أشهر ما مر برؤساء التحرير حين كان كاتباً في صحيفتهم أنهم أدمنوا حبوب البندول وأحياناً الضغط، وربما لا يكفيهم هذان الدواءان حين تواجه الصحيفة إنذار الوقف أو المنع بسببه، وأحياناً هو من يطير.
لهذا فإن خروجه اليوم من منصب رئيس تحرير وتقلده منصب «كاتب رأي»، هو مكسب كبير للصحافة، فرؤساء التحرير الذين يفرحــــون بمناصبهم الكبرى يعرفون أن «الكاتب» هو المنصب الأرقى والأجمل، والدليل أن من تنتهي سيرته المهنية الصحـــافية كرئيس تحرير، لا يجد شأواً أن يقبل بمنــــصب كاتب حــــين يخرج من منصب الرئاسة، وهذا لا ينطبق فقط على رؤساء التحرير، بل على رؤساء الدول - بنســـبة نادرة في الدول العربية ونسب أكبر في الغرب -، ولأنني عرفت هذه النظرية منذ زمن أخذت المسألة «من قاصرها»، واكتفيت بمنصب «الرئيس الكاتب» أو كاتب كمسمى مختصر.
في نجد - وفي كثير من البلاد على ما أظن - نكرم جارنا الجديد حيـــن ينزل في جوارنا، فنبـــعث له حـــلة من الرز واللحم أو خـــروفاً حياً ومعه كـــيس من الرز، أو نقول له: «عشـــاك عندنا الليـــلة»، لذا فإنني سأبعث له بالخـــروف ومـــعه تحية مطلعها ما قال سمير غانم في مسرحيته الشهيرة:
«يا مرحبا يا مرحبا نورك غطى الكهرباء».
(الحياة اللندنية)