ضربت النائبة العراقية حنان الفتلاوي بيدها على طاولة الحوار التلفزيوني الذي كان يستضيفها على الهواء، متحدثة بحدة ومن دون أي تلعثم، فقالت: «مقابل كل سبعة شيعة ينقتلون نريد قبالهم سبعة سنة».
طبعا، تبهت أهمية السياق الذي دفع بالنائبة الفتلاوي للتفوه بما قالته، فالخلاصة ستبقى واحدة: برلمانية عراقية خلعت رداء التشريع وأطاحت بمرجعية الدستور والقانون لتعلن صراحة على الهواء أمام الملايين أن الأوان قد حان لإقرار مبدأ التوازن في القتل كصيغة لإدارة الصراع المذهبي المستعر في العراق. والحملة الإعلامية التي أعقبت تصريح النائبة العراقية لم تثنها أو تدفعها للتراجع عما قالته، بل بقيت أصداء هذا التصريح تدوي في سماء الرأي العام العراقي. ولتكتمل المفارقة فإن السيدة الفتلاوي هي عضو في تكتل «دولة القانون» النيابية التي يرأسها رئيس الوزراء نوري المالكي.
ولحظة جنوح النائبة العراقية التلفزيونية هذه تحولت نارا في هشيم وسائل التواصل الاجتماعي فزادت من سعار المذهبية في النقاش وحملات الكراهية، وتلك لغة يسهل ترجمتهما إلى دم يراق، وهو ما يحصل في العراق وفي بلاد محيطة كثيرة.
وللحقيقة، فإن النائبة العراقية لم تخرج عن الخط الذي رسمه رئيس الحكومة نفسه قبل أقل من أسبوعين حين أعلن نفسه «وليا للدم»، معلنا مبدأ «الدم بالدم» في قضية مقتل الصحافي محمد البديوي على يد ضابط من قوات الحرس الجمهوري. فقضية قتل الصحافي جرى استثمارها على نحو لم يحصل مع كل قضايا القتل اليومي في البلاد. إنها حادثة لاءم توقيتها وظروفها المرحلة فحاول المالكي الاستفادة منها. فالضابط الذي ارتكب جريمة القتل كردي، مما حول جريمة فردية إلى أزمة وطنية كادت تشعل الصراع العربي - الكردي في العراق من جديد.
طبعا، ليس اقتطاع تصريح النائبة الفتلاوي وقبلها للرئيس المالكي من سياق الأحداث العراقية محاولة لحصر العلل فيهما وبسقطاتهما في بلد يودي العنف السياسي والمادي فيه يوميا بعشرات المواطنين سنة وشيعة وعربا وكردا وتركمانا، إذ يبقى البلد أسير التلاعب به. لكن مع كل هذا العنف، يتبدى كم أن تعايش مكونات النسيج العراقي بات هشا إلى حد أن أبسط تفصيل يمكن أن ينفجر نارا وتصريحات وهيجانا عبر الإعلام، أكان تقليديا أم إلكترونيا. فالبلد في قلب أزمات كبرى إقليمية وداخلية، والدور والخطاب الذي يقدمه المالكي جزء، بل واجهة من واجهات تلك الأزمات..
لن يسلم أحد من استعار الوضع في العراق، وذلك ذنبٌ المتورطون فيه كثر، لكن أن يحول رئيس الحكومة ونواب من تكتله خطاب الدم والقتل ردا على القتل إلى لغة رسمية فتلك إطاحة كبرى يمكن التأريخ لها بعد عشر سنوات من تجربة العراق الجديد. إنها عودة سريعة إلى الوراء ولهاث محموم نحو خطاب يعلي شعار الثأر والدم ويطيح بما تبقى من دولة القانون، ذاك إن كان هناك شيء ليبقى..
(الشرق الأوسط)