يقولون دائما للمغترب طقوسه الخاصة في التفكير اتجاه الوطن ,فحينما أتابع أخباره وتصريحات ساسته والاستقطابات فيه أصبح حبيس أسئلة وانطباعات كثيرة تقودني الى الاستهجان تارة ولتفائل تارة أخرى , أتمعن أحيانا في وجوه الساسة وهي تبارح صفحات مواقعنا الالكترونية ,أبحث عن أجوبة لأسئلة تراود مواطن مغترب لأتيه في ضجيج السياسة ومنطق التوازنات فلا أخرج منه الا بالدعاء والأمل بمستقبل أفضل ,وبمجرد الانتهاء من هذه الحالة وقربي للبدء بكتابة مقال أو خاطرة تساعدني على ذلك ,التفت مبتعدا عن قلمي لصورة جلالة الملك على حائط غرفتي ,لاسأل نفسي بماذا يفكر الملك حينما يشاهد ويراقب ما يحدث؟...
في مشاهدتي المتسمرة لملخص نشاطات جلالته وزياراته التفقدية ,أشعر بذلك القائد الذي يقدر صعوبة الوضع والواثق بنفسه وبشعبه ,في كل مره يشعر فيها المواطن بسوء الوضع أو بالقلق على مستقبله, يخرج الملك وبتلك المعنويات العالية و الابتسامة المبشرة بعلو الهامة و بأس العسكرية في محياه , ليزرع الامل ويجدد الايمان بغد أفضل,ولن أنسى مقولته في آخر كلام له بخصوص أوهام الوطن البديل "لازم أطلع على الناس أطمنهم "...نعم يا سيدي فنحن شعبك الذي يثق بك , وما لفت انتباهي أن تلك العبارة قيلت في حضور كبار رجال الدولة , وكأنها دعوة ملكية لهم ليكونوا حلقة الوصل الحقيقية بين قائد البلاد وشعبه ,وأن تعمل تلك الحلقة على منح المواطن الثقة بمؤسسات الدولة والحكم .
تجده "يسري"فجرا ليزور وحدات جيشه العربي ليشارك في التمارين العسكرية ويتناول مع جنده افطارهم ,أو يتفقد المستشفيات والدوائر الحكومية منفردا ,ويزور احدى رفقاء السلاح في بيته وبين أهله متفقدا سلامته اثر تعرضه لاعاقة جراء حادث سير ,وقبوله دعوات رجال المجتمع والمتقاعدين العسكرين ليجلس كشيخ بين عشيرته أو يتفقد المحافظات في زيارات ميدانية ,من يشاهد تلك الممارسات الملكية يعلم أن قائد الوطن يفكر بعيدا عن منطق البروتوكلات ولا يعتمد على تقارير " كل شي تمام " , يفكر كيف يمكن أن يسمع حاجة مواطن بسيط أو مراجع في دائرة حكومية ,يفكر كيف يمكن أن نحصل على حلول لمشكلة شاب أردني جامعي لا يعمل .
عندما يزور ملك البلاد مؤسسات استهلاكية وأسواق شعبية ليسمع من المواطنين ويطمئن على الامن الغذائي أو يبادر بتفقد العائلات اثناء سقوط الثلوج ويساعد مواطن علقت سيارته دليل أن الملك يبحث عن الخلل والنقص بنفسه ,أن يقوم بتأمين الجهات المعنية في الدولة بعد المنخفض الجوي بأليات ثقيلة لازالة الثلوج دليل على أن الملك نزل الى الميدان وأخذ الانطباع العام عن الجهود الحكومية وما يواجهها من مشاكل,ما يجعلنا أقرب وأصدق مع جلالة الملك هو أن نفهم العقلية الملكية وبماذا تفكر ...أن يقول الملك "انا أبحث رجال "عبارة تعني أن المرحلة تحتاج من يفهمها ويقدر مصاعبها ويبادر بأن يكون مترجم لواجباته الوطنية دون ايعاز أو رقابة .
أن يحضر جلالته طابور صباحي في احدى المدارس المهنية ويتفقد مستوى التأهيل المهني فيها ويزور أغلبية المؤتمرات التي تدعم العمل المهني وتشجع الصناعة الوطنية ,بمثابة رسالة ملكية للمسؤولين واصحاب القرار أن الوطن أصبح بحاجة لدعم هذا الجانب والعمل على تطويره , كلها ومضات ملكية تتكرر ويؤكد عليها الملك دائما , ما يمكن فهمه من ذلك كله أن القيادة في الاردن تريد أن يعلم الشعب ماهية الوضع ويرى الجهود الممبذولة في تطويره في محاولة لاشراك الجميع مسؤولين ومواطنيين في الفهم والتطبيق ,وفي اجتماع جلالته مع اللجنة الملكية لميثاق منظومة النزاهة الوطنية أكد قائلا "لا أرى شيئا أهم من تعزيز الثقة بين المواطن والدولة"...وهذا دليل آخر على ان الشاغل لتفكير جلالته هو ثقة المواطن وأن اجتهادات أي مسؤول لن تكون في دائرة الرضى الملكية اذا لم تنل رضى الشعب وأن العمل بشكل منظم وتحت اطار خطة تكاملية تعتمد على دروس الماضي والتجارب التراكمية وفهم أن ما يغضب الشعب سيغضب الملك .