الخصخصة .. أخيرا في الميزان
فهد الخيطان
07-04-2014 01:54 AM
ردود الفعل على تقرير لجنة تقييم عمليات الخصخصة في الأردن، جاءت أفضل من التوقعات. الخبراء والمختصون في المجال الاقتصادي، وحتى المعارضون للخصخصة من حيث المبدأ، قدروا عاليا الجهد الذي بذلته اللجنة في تتبع ملفات الشركات التي جرى خصخصتها، بكل ما تنطوي عليه من تعقيدات. كما وقف الكثيرون احتراما لجسارة التقرير في التأشير صراحة على التجاوزات الدستورية والقانونية التي صاحبت بعض عمليات الخصخصة؛ كشركة الفوسفات، والمشغل الثالث في قطاع الاتصالات "أمنية".
بالطبع، سيظل هناك من يقلل من شأن التقرير، خاصة من الأوساط الراديكالية التي تعارض مبدأ الخصخصة، وتدعو باستمرار إلى التراجع عنها وإعادة ملكية الشركات التي تمت خصخصتها إلى الدولة. هذا من حقهم؛ ففي كل الدول توجد أحزاب وجماعات تتبنى مثل هذه المواقف.
لكن الجانب الأهم والأخطر من السجال الذي كان وما يزال يدور في الأردن، يتعلق بشبهات الفساد التي رافقت عمليات الخصخصة، وليس المبدأ من أساسه. وفي غياب مبادىء الشفافية، أصبحت كل عملية خصخصة قضية فساد من وجهة نظر الرأي العام والمشتغلين في الشأن السياسي.
قيمة التقرير أنه فكك نظرية التعميم هذه، إذ تناول كل عملية خصخصة على حدة، وفصّل جوانبها، ووضع إصبعه على الاختلالات إن وجدت؛ وفي الوقت نفسه فنّد زيف المزاعم فيما يخص عمليات أخرى طالتها الشبهات بسبب نظرية التعميم ذاتها.
معظم المناقشات التي تمت في السابق لملفات الخصخصة؛ سواء تحت قبة البرلمان، أو في بعض وسائل الإعلام، ومن قبل مؤسسات المجتمع المدني، كانت ديماغوجية ومنفعلة، وتنطلق من عقلية الاتهام المسبق، فيما المنهج الذي اتبعته اللجنة قام على تفكيك العمليات ومدى مطابقتها للقوانين والأنظمة، ثم بعد ذلك استخلاص الاستنتاجات والتأشير على مكامن الخلل في كل ملف.
ولأن التعميم، في العادة، لا سقف ولا حدود له، فقد طال في اتهاماته جميع المسؤولين وعلى كل المستويات. هناك بلا شك من تورط في عمليات خصخصة تحوم حولها الشبهات، وقد أشّر عليها تقرير اللجنة، لكن في حالات كثيرة كانت الاتهامات تعوزها الأدلة والبراهين.
لقد اهتمت وسائل الإعلام بالتقرير غداة صدوره ولأيام لاحقة. بيد أنه من الظلم وضع هذه الوثيقة التاريخية على الرف. هيئة مكافحة الفساد قامت بمبادرة طيبة، عندما أعلنت عن تشكيل لجنة لدراسة مخرجات التقرير، ومتابعة التحقيق في بعض الملفات التي سبق أن طواها البرلمان.
لكن هذا ليس كافيا؛ ينبغي فتح نقاش عام بشأن المخرجات مع مختلف الفعاليات في المجتمع، ومحاورة الأطراف والجماعات المدنية التي أظهرت اهتماما بقضايا الخصخصة في السنوات الماضية. فمن خلال متابعتنا لردود الفعل بعد صدور التقرير، تبين أن أوساطا من النخب لم تكلف خاطرها بمطالعة التقرير وتقليب أوراقه.
إن المنهجية التي أُعد بها التقرير، تمثل فرصة لتحفيز المنخرطين في العمل العام على مراجعة طريقتهم في التفكير، واعتماد النظرة العلمية، كما اعتماد الحقائق كأساس قبل إطلاق الأحكام.
مع ذلك كله، يبقى السؤال قائما ومشروعا: هل سيُحاسب المسؤولون الذين أخطأوا التقدير، أو تورطوا في عمليات غير قانونية، كالتي أشار إليها التقرير؛ "الفوسفات" و"أمنية" مثلا؟
(الغد)