تابع السعوديون خلال الأيام الماضية مأساة مقتل عامل بقالة هندي بطريقة بشعة على يد مختل سعودي، في حي (السويدي) بالعاصمة الرياض.
الجريمة من النوع الصادم: عشرات الطعنات تسدد للضحية، في وضح النهار، وأمام المارة الذين اكتفوا بتصوير الحادثة البشعة من أجل تزويد المتابعين بسبق مدهش!
القاتل شخص مختل نفسيا، وقد تردد على مستشفى الصحة النفسية بالرياض، ومتعاط للمخدرات، ويتصور هلاوس دائمة في ذهنه. وقد كان هذا العامل المسكين ضحية من ضحايا هذا المريض المطلق السراح في الشوارع.
هذه المأساة فتحت النقاش حول كيفية التعامل مع المحتاجين للمتابعة الصحية النفسية.
ربما كانت حالة هذا القاتل واضحة في المرض النفسي، لكن ماذا عن المصابين بدرجات أقل حدة من العوارض النفسية، وهم يدبّون بيننا؟
ليست كل العلل النفسية خطيرة أو تجعل المصاب بها مصدر ضرر للمجتمع، على العكس فكثير من المؤثرين في تاريخ البشرية، في العلم والسياسة والفنون، كانوا بشكل أو بآخر يعانون نوعا من العلل النفسية، وهناك دراسات تتبعت هذا المبحث. غير أنه من المهم هنا بث ثقافة عامة حول الصحة النفسية، فهي ضرورية لفهم كيف نستوعب حراك المجتمع ومشاهيره، أحيانا من هذه البوابة.. فعلل النفوس لا تقل أهمية عن علل الجسوم.
كان من آثار «جريمة السويدي» هذه، كما ذكرت «العربية نت»، أن شكلت هيئة حقوق الإنسان في السعودية لجنة لدراسة وضع المستشفيات النفسية في السعودية، والتي تشرف عليها وزارة الصحة، وخلصت إلى ضرورة زيادة الطاقة الاستيعابية لتلك المستشفيات.
الدكتورة جواهر بنت عبد العزيز النهاري، مديرة القسم النسوي بفرع هيئة حقوق الإنسان في منطقة مكة المكرمة، أشارت في خبر «العربية» هذا إلى ملاحظة مهمة حول خلل ثقافة المجتمع المحلي تجاه المحتاجين للرعاية النفسية، خصوصا إذا كان المعاني من النساء، حيث تمكث مثل هذه الحالات في سجن الأهل لسنوات طويلة، حتى تتداركها عناية الله، بخروجها أو تموت بحبسها، ولعل نظام الحماية من الإيذاء يكون فرجا لهذه الحالات.
المشكلة ليست فقط في ثقافة التعامل مع المحتاجين للرعاية النفسية، بل في ثقافة التعامل مع كل محتاج لنوع خاص من الرعاية، مثل مرضى التوحد، أو المعاقين إعاقات حركية، حيث لا ترحب المدن عندنا بهؤلاء، على مستوى مواقف السيارات والمرافق العامة ومسارات المشي وبيئة العمل، وغير ذلك. والغريب أن ذلك يحصل في مجتمعات لا تكل ولا تمل من الحديث عن التقوى وعمل الخير.
القصة ليست في النية الحسنة، من المؤكد أن الأساس هو توافر هذه النية، لكن القصة هي ثقافة وعمل وعلم موجود وممارس لدى مجتمعات أخرى، فلا نحتاج لإعادة اختراع العجلة.
المرض النفسي يعالج في المشافي والمصحات وعلى يد الأطباء والخبراء، وليس مجالا متاحا لكل «فهلوي» نصاب.
الثقافة والوعي، أولا وآخرا، هي مفتاح الحلول، ومعراج الوصول.
(الشرق الأوسط)