أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع (المُعفى عنه نيابيا عام 2005) ترشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية، معلنا مبكرا سباقا محموما مع قادة لبنانيين مارونيين آخرين يطمحون بالموقع من أبرزهم العماد ميشيل عون رئيس تكتل التيار الحر، والرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل زعيم حزب الكتائب، وقائد الجيش اللبناني جان قهوجي، وعدد آخر من الأسماء منهم سليمان فرنجية وبطرس حرب وزياد بارود.
القصة ليست في معركة رئاسة لبنان، وإنما في ترشح جعجع لسدة الرئاسة، فالرجل إشكالي، ومنذ سنوات لديه صفحات مفتوحة على مصراعيها مع الكثير من الجهات فهو ذاته الذي دخل السجن عام 1994 بسبب اتهامه بتفجير كنيسة سيدة النجاة في كسروان، وقد حصل على البراءة، إلا إنه حوكم بتهمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون، كما اتهم باغتيال النائب طوني فرنجيّة ابن الرئيس سليمان فرنجيّة وعائلته في إهدن وهو ما سمي لاحقًا بمجزرة إهدن، وحكمت المحكمة عليه بالإعدام، إلا ان الحكم خفف من قبل رئيس الجمهورية وقتذاك إلياس الهراوي إلى السجن مدى الحياة، كما تم الحكم بحل القوات اللبنانية، ولكن أطلق سراح الرجل عبر عفو نيابي خاص من قبل المجلس النيابي الذي انبثق بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، وعاد بعد ذلك إلى نشاطه السياسي. بعد أقل من 9 سنوات من خروج جعجع من السجن، وإثر رفضه دخول حزبه للحكومة اللبنانية الوليدة التي شكلها تمام سلام حديثا، وموقفه المناهض لحزب الله، ولسلاح المقاومة الذي كان له الدور الأكبر والوحيد في دحر العدو الاسرائيلي من جنوب لبنان، وعدائه غير المحدود لسورية، وتأييده غير المحدود للخارجين على النظام، الذين يعيثون بسورية دمارا وتدميرا، ترشح الرجل لرئاسة لبنان. لا غرابة في ظل "خربطة" الأوارق، وممارسة الضغوط الإقليمية والدولية على دول المنطقة، ورسم قواعد جديدة وفقا للتطورات التي تحصل في الإقليم، أن تختلف قواعد اللعبة السياسية سواء في لبنان أو غيره، وأن يحاول البعض رسم خطوط جديدة، وقواعد مختلفة عن السابق.
ففي ظل ما يحصل في سورية، والهجوم الإقليمي على سلاح المقاومة الذي كان له صولات وجولات في كسر شوكة اسرائيل في المنطقة، ومحاولات الولايات المتحدة المجنونة في إعادة رسم تسوية فلسطينية – اسرائيلية غير متوازنة وغير مقبولة فلسطينيا، لربما وجد البعض أن دوره الإقليمي قد حان، باعتبار أن الرياح مدبرة عن خصومه، ورياحه مواتية، ولذلك عليه اغتنامها. باعتقادي أن ما يحصل من إرهاصات في لبنان والإقليم يتوجب قراءته بشكل جيد، وخاصة في ظل تعثر المفاوضات، وقرب انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منها، وسحب وزير الخارجية الاميركية جون كيري لخطته غيرالمعلنة وقيام قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية بالتوقيع على عدة معاهدات واتفاقيات دولية أثارت ذعر إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة التي أثبتت أنها لم ولن تكون يوما وسيطا محايدا. بالعموم يبدو أن دول الإقليم من لبنان مرورا بالخليج ودوله، ومصر وفلسطين والعراق حبلى بالكثير من المتغيرات التي يحاول اللاعبون الدوليون أن يكون لهم يد فيها.
كما أن المتغيرات التي حصلت في العالم من خلال صعود روسيا كدولة عظمى وقدرتها على الوقوف ندا للولايات المتحدة والغرب، جعلت كل اللاعبين في المنطقة يعيدون تموضع أوضاعهم، وبالتالي خلق طموحات لدى راغبين بموقع الرئاسة في لبنان، وإعادة رسم الخريطة في مناطق أخرى.
.