الحكومة الآن بصدد وضع خطة شاملة للنهوض بالدولة وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، والارتفاع بمستوى دخلهم، ومعالجة المشاكل والمعوقات التي تعترض طموحات الأردنيين نحو الرفاه والتقدم على كل المستويات وفي كل المجالات.
عشر سنوات تعد مدة زمنية كافية، لتحقيق هذا الهدف، بكل تأكيد، إذا وجدت الهمة والإرادة، ووجد التخطيط السليم، والرجال الأكفاء الأمناء الذين يملكون الرؤية البعيدة والفهم الصحيح، والانتماء العميق للوطن والأمة، والانتماء لهويتها ورسالتها، واختيار الكوادر المنفذة التي تقدر المصلحة العامة وتقدمها على المصالح الشخصية والفئوية والحزبية.
الحكومة معنية بتحويل الشعب الأردني إلى خلية نحل، بحيث يعرف كل واحد دوره ووظيفته بوضوح، من خلال إنجاز خطة وطنية شاملة تستوعب المجتمع بكل ما يملك من مؤسسات وبكل ما يختزنه من كفاءات متنوعة ومتعددة سواء في القطاع العام أو الخاص، وفقاً لمنهج تشاركي فعلي يتسم بالمرونة والاستيعاب إلى جانب الالتزام.
ولذلك يمكن الحديث عن مجموعة ملاحظات منهجية في هذا السياق، تستحق الاهتمام والحوار:
الملاحظة الأولى تتعلق بتلازم مسارات الإصلاح، وضرورة السير بها بطريقة متوازية، بمعنى أنه لا يمكن الفصل بين مسار الإصلاح السياسي ومسار الإصلاح الاقتصادي، حيث من البديهي الإقرار بأن النجاح الاقتصادي هو الثمرة الأولى لحسن الإدارة السياسية، وهو معيار السقوط والفشل لأي عمل إداري وسياسي، فالإصلاح السياسي هو مدخل لكل مناحي الإصلاح وبوابة الشروع في التقدم نحو المستقبل الآمن.
الملاحظة الثانية: تتعلق بضرورة الاعتماد على التقويم العلمي المنهجي للمرحلة السابقة بطريقة محايدة، من أجل الوقوف على مواقع النجاح ومواقع الفشل، ومعرفة حجم الإنجاز وحجم الإخفاق في تجربة العشر سنوات السابقة، على طريقة عمل لجنة تقويم التخاصية، مع ضرورة الاستفادة من كل الدراسات العلمية الصادرة عن الجهات المختصة، وكذلك الأخذ بالملاحظات والانتقادات الموضوعية التي يبديها أصحاب التجربة والنظر من الأطراف المعارضة وغير المعارضة في هذا السياق، من أجل معالجة الخطأ، وتلافي تكرار الوقوع في الجحر الواحدة مرات عديدة.
وفي سياق الاستفادة من التجارب السابقة لا بد من الاطلاع على ما تم إنجازه في «الأجندة الوطنية» و»كلنا الأردن» و»الأردن أولاً» ومذكرات الأحزاب السياسية، والمؤتمرات العديدة وما تم تقديمه من توصيات وخلاصات في هذا المجال، بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الناجحة مثل ماليزيا، وتركيا والبرازيل، وسنغافورا.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالحرص على إيجاد صيغة تشاركية مع كل القوى المجتمعية، دون استثناء لطرف أو حزب أو مكون من المكونات السياسية والاجتماعية، ويمكن إيجاد مؤسسة للحوار الوطني من أجل تحقيق أكبر قدر من التفاعل الشعبي، ومقاومة الروح السلبية ومعالجة حالة الإحباط السائدة والمنتشرة في الأوساط السياسية والحزبية، وفي أوساط الشباب.
الملاحظة الرابعة تتعلق بالتركيز على المسار التربوي والتعليمي ولذلك ينبغي من الحكومة خلال العشر سنوات القادمة، أن تضع خطة شاملة للنهوض بالأوضاع التعليمية على مستوى المدارس والجامعات، والإصرار على بناء الصورة المشرقة والوطنية للمؤسسات التعليمية، وضرورة صياغة هدف أن نجعل جامعاتنا تحتل مراتب متقدمة على صعيد التصنيف العالمي، من خلال الالتزام بمعايير التدريس الحديث، وتوفير الاحتياجات المطلوبة، وفي هذا السياق ينبغي أن نعلم أن الخطط الطموحة تحتاج إلى جيل يحملها ويؤمن بها ويستطيع تنفيذها برغبة وفهم وأمل وطموح، وبغير ذلك سوف تبقى جميع الخطط حبراً على ورق، وسوف تؤول إلى مخازن الملفات للحفظ والتراث.
ينبغي على جميع الأطراف أن تخلق الفرصة المناسبة، وتهيىء البيئة السليمة للنهوض والتقدم، والتخلص من جراح الماضي وحل مشاكل العجز والفساد والتخلف والأميّة الفكرية، والشروع ببناء ثقافة المبادرة والعمل، وثقافة البحث عن البديل وثقافة التنافس في البرامج والخطط العملية.
(الدستور)