استوقفني مشهد مؤلم من أحد العاملين ، وخلاصته : أنه تعرض الى حادث أثناء تواجده في مزرعته ، ونقل الى مستشفى خاص في احدى المحافظات ، وقد مكث فترة للعلاج ؛ بسبب الكسر الذي سببه الحادث في ساقه الأيمن.

والمؤلم في الموضوع ؛ أنه قام بإبلاغ الجهة التي يعمل لديها بأنه تعرض للحادث أثناء مغادرته العمل وقبل دخوله لمنزله ، وعليه ؛ فقد تم اشعار المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بالحادث على أنه اصابة عمل ؟!. ومن الطبيعي أن تقوم مؤسسة الضمان بالتحقيق بالحادث من خلال مفتشيها الذين يحملون صفة الضابطة العدلية ،.. وعند حضورهم للمصاب وتهنئته بالسلامة ؛ طلبوا إليه أن يصف لهم ما حدث !!؛ فبدأ وللأسف - ودموع التماسيح تقطر من عينيه - يحلف الايمان أن الحادث وقع أثناء عودته من العمل إلى منزله ، فسألوه : هل من شهود على وقوع الحادث ؟!، فيقول لهم : كان ابني وابن أخي يقفون على مقربة من المنزل وقد شاهداني وقاما بنقلي الى المستشفى .. ويشهد الشهود زوراً ، وبالنتيجة ؛ يحصل على تعويض نقدي من أموال الضمان كون الاصابة أدت الى عجز جزئي نسبته أقل من)30% ) .

وتمضي الأيام ، وأثناء تواجدي في أحد المستشفيات لزيارة صديق ، وإذا بصاحبنا - وقد تغيرت ملامحه - يبكي ويتحسر !! ، فنظرت إليه نظرة تخلو من الشفقة ، فوصلته رسالتي !!، إلا أنه أصر على أن يدخلني بالحديث كي يعلمني أن ابنه ، شاهد الزور ، بين الحياة والموت جراء حادث وقع له !!، فقلت له مستهزئا : ألم تخبر الضمان عن الحادث ؟!!، نظر إلي باندهاش ؛ وقال : ماذا تقصد ؟! ، قلت لا شيء : لعل الضمان يعالجه لك.. ويدفع له راتباً ؟!!، ثم ذهبت الى غرفة صديقي لأطمأن عليه. وما هي إلا دقائق ؛ وإذا بصاحبنا يتبعني ورأيت في عينيه كلاماً!!، اقترب مني واستأذنني بموضوع خاص .. ذهبنا الى احدى الساحات الخالية من الزوار وقلت له: تفضل أنا بالخدمة ، بدأ الدمع ينهمر من عينيه فقلت يا رجل ما بك ؟! فقال أتذكر إصابتي التي عوضني عنها الضمان قبل اشهر بمبلغ (1200) دينار قلت : اجل، فقال : من يومها وأنا أعاني الأمرين ، صراع في داخلي وكوارث وخسائر في بيتي.. ماذا أعمل أرجوك ساعدني !!. فقلت : التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ولكن يغفر الله كافة الذنوب ما عدا حقوق الغير. قال وماذا تقصد ؟! فقلت أموال الضمان الاجتماعي هي أموال عامة ، فهي لكافة عمال الوطن ، والكسب منها جريمة ، وشهادة الزور من الكبائر!. فقال: ما العمل إذن ؟! فقلت: أن تعيد كافة المبالغ التي حصلت عليها لمؤسسة الضمان الاجتماعي لأنك حصلت عليها بوجه غير مشروع ، فقال : سأعيدها ولكن كيف ؟! فقلت هذا من اختصاص دائرة الافتاء، إذهب وسيجدون لك مخرجاً!!.