للسفر سبعُ فوائدَ وللإجازة تسعٌ . فوائدُ السفر حسب الإمام الشافعي هي :
تفريج الهموم، طلب الرزق، طلب العلم، تحصيل الآداب، صحبة كرام الناس، استجابة الدعاء، والخبرة بالناس .
ربما لم تتغير الفوائد مع الزمن لكن الزمن هو الذي تغير واصبحت فوائده السبع تتلخص في كلمة واحدة هي المتعة باشكالها المتعددة واولها التباهي بالسفر . وكلما كانت الوجهة اوروبية كان الابلاغ عن نية السفر بصوت أعلى .كأن يبلغ صديقه او صديقته الذي يلتقيه صدفة على الرصيف او في مول مزدحم وبصوت يسمع في دائرة يتجاوز قطرها المكان نفسه بوجهة سفره ودرجة مقعده في الطائرة خاصة اذا كانت أولى، وعنوان الفندق الذي سيحل به وربما يصف المناطق التي سيزورها قبل ان يراها !
انها لوثة التباهي التي اصابتنا منذ ان ابتعدنا عنا . وهو النقص الذي لم نزده الا نقصاً. الاغتراب عن ما هو اصيل فينا الى ما هو زائف عند غيرنا .في بلادنا ما هو اجمل واقل كلفة واقرب الينا من تذكرة سفر على الفيزا او اضافة جديدة للديون التي تثقل كاهلنا . نذهب الى هناك لنرى الشوارع المضاءة والمارة الذين ينظرون الى دهشتنا بدهشة مريبة، لكأننا قادمون من عالم آخر نسيه قطار الحضارة على محطة التخلف فتكدسنا وكدسنا خيباتنا، سيمانا في وجوهنا ومشيتنا وحركاتنا و..بلاهتنا !
ليس كل السفر سفرًا، ولا نقول، للناس لا تسافروا لكن لنتذكر ما قال جدنا الشافعي عن فوائد السفر او على الاقل بعضا مما قال .
يسألك فورا حين تقول له، أخذت إجازة خمسة ايام، أين ستسافر ؟! ويستهجن حين تجيبه لست بمسافر، لكانك كفرت او تخلفت عن ركب الرحيل الى الجمال الذي لا يوجد الا في الخارج فيما الجمال كل الجمال فينا في ارضنا وغاباتنا وسهولنا وفي هذا البساط الاخضر الذي يمتد من عينيك الى ما لا تستطيع ان ترى عيناك . لكأنك هناك فقط تتمتع بربيع حقيقي اخضر حيث يولد من رحم الارض، تحت الحجر وفي حضن التراب الذهبي، برائحة الورد بالوانه التي لا عدد لها .
الاجازة ان ترتاح من جهد العمل ان كنت تعمل بجد فعلا، لا على طريقة اختم الكرت وامض الى حيث شاءت شطارتك . الاجازة ان تستيقظ على مهلك وتقود سيارتك على غير طريق من العمل الى البيت ومن البيت الى العمل ، ان تحلق ذقنك دون ان تجرح وجهك جراء السرعة التي تلاحقك، ان تلتقي اصدقاء لا وقت لديك للقائهم، ان تزور اهلا واقارب لا تتمكن من زيارتهم في الا في الاعياد . ان تجد وقتا تجلس فيه مع نفسك التي اغتربت عنك في الزحمة . كثيرة الاشياء الثمينة بين يدينا ولا نفتقدها الا بعد أنْ نفقدها .نبحث عن السعادة في ما وراء البحار وهي في منطقة صغيرة داخلنا يسمونها القلب .. القلب لا مضخة الدم .
الإجازةُ من العمل أنْ تتمتّع بما بين يديك ولا تراه ..أنْ تجدَك ..أنْ تكونَ أنت !!
(الدستور)