هل الدين حاضـر في حياتنا حقا .. ؟
حسين الرواشدة
04-04-2014 02:53 AM
لا يمكن ان نصدق بأن للدين حضورا حقيقيا في حياتنا ونحن نتابع هذه الفصول المخجلة من حكايات الفساد ونهب المال العام وتجاوز الصلاحيات ومن غياب الحريات وحقوق الناس وغيرها من المفاسد التي ترزح تحت وطأتها اقطارنا العربية، اذْ كيف يمكن ان يكون “الدين” فاعلا وان يكون خطابه مقنعاً ومؤثراً وان تكون صورة “تديننا” صحيحة وبلداننا تغرق في وحل التراجع والتخلف، وامتنا تعاني ما تعاني من ظلم وهزيمة وانحسار.
صحيح ان شعوبنا - في معظمها - متدينة بالفطرة، وصحيح ان “اشواق” الناس نحو تطبيق الاسلام في تصاعد مستمر، وصحيح ان لدينا “دعاة” وخطباء ومنابر ترتفع فوقها اصوات المطالبين بتحكيم الشريعة، وباشاعة العدل وبالانتصار للورع والتقوى، ولكنها كما قلت اصوات ودعوات وكلام عابر للآذان ووظائف يقوم بها هؤلاء دون ان تفعل فعلها في قلوب الناس وعقولهم ودون ان تؤسس لوعي “حركي” او نهضة جماعية او ارادة تدفع الناس الى “التغيير” او تحشدهم لفهم الدين الصحيح وتطبيقه ايضاً.
علينا ان نعترف بأن “الدين” ما زال غائباً عن حياتنا، وبأن “تديننا” لا يتجاوز “الشكل” والوظيفة، وبان “ورعنا” ما زال كامنا في القلب ولم يخرج الى الجوارح، وبأن فهمنا للدين وقيمه لا يختلف عن فهم غيرنا لقواعد “النحو” في لغاتهم، وعلينا ان نعترف - ايضاً - بأننا سجنا القرآن في الغرف المغلقة، وبأن علاقتنا مع الاسلام لا تقوم على “التفكر” والتعقل وانما على العاطفة فقط، وبأن نسخة “الدين” التي نتفاخر بها ونستهلكها “ونتنابز” بها حضارياً مع الآخر هي نسخة مغشوشة، حتى وان كنا نتبرك بها ونقدسها بين الحين والآخر.
ان السؤال عن حضور الدين في “المستجدات” الراهنة وعن دور مؤسساتنا في اعادة الوعي للشعوب وبعث ارادة التغيير فيها يكشف جانباً من الحقيقة المرة التي أشرنا اليها، فقد تحول “الفاعلون”-معظمهم ان شئت الدقة - في حقولنا الدينية الى ادوات طيعة لثني الناس عن الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم، واختار بعضهم ان يرفع “فزاعة” الفتنة باسم الدين لتخويف الناس من الاصلاح، ونجح آخرون دخلوا على خط “التدين” المغلوط في تشويه صورة الدين والاصلاح معاً.
ولم يتوقف الامر - للأسف - عند هذا الحد، فقد انشغل آخرون بالجدل حول “الدولة” في الاسلام: مدنية أم دينية، اسلامية أم علمانية، فيما غابت قضية الحرية والديمقراطية عن الواجهة، وفيما استبدل الانسان (بحقوقه وكرامته) كموضوع مفترض للنقاش، بشكل الدولة وطبيعة نظامها، وكان بناء العمران مقدم في الاسلام على بناء الانسان.
لو كان الدين حاضراً في حياتنا فعلاً، ولو كان الدعاة اليه حقيقيين ومخلصين، ولو كانت مؤسساته قائمة على “التقوى” لما وصلت مجتمعاتنا ودولنا الى هذا الدرك من الفساد والظلم والعدوان، ولما اضطر الانسان في بلادنا الى الخروج للشارع للمطالبة بحقوقه، ولما اضطرت الحكومات الى التنازل تحت ضغط هذه الاصوات، هذه التي خرجت من الشوارع ولم تخرج للأسف من حناجرالدعاة ولا من فوق درجات المنابر او من دروس الوعظ والارشاد.
الدستور