سفراؤنا الطيبون .. هكذا هم
عاطف الفراية
20-02-2008 02:00 AM
في جلسة حميمة.. وعلى هامش مهرجان مصغر لعرض أفلام من الأردن في الشارقة.. لم أكد أصدق حين قدمت إحدى المحطات التلفزيونية للمخرج الأردني فيصل الزعبي عرضا للعمل لديها بمبلغ خرافي بكل المقاييس يفوق الخمسة عشر ألف دينار أردني في الشهر.. ولم أكد أصدق حين سمعت جوابه المختصر والفوري والعفوي والذي لم يمهل نفسه برهة للتفكير فيه أو في طبيعة العرض الخرافي الذي تلقاه.. وذلك حين قال: إذا كنت سأقبل هذا العرض الكريم.. فمن يقدم الجمال في بلدي؟ في مثل تلك الإجابة المكلفة جدا .. والمختصرة جدا.. والمكثفة جدا.. ثمة ديوان شعري بأكمله يتجلى..وتتجلى في ذهني المعاني الحقيقية للحب والانتماء ومعنى الوطن.. دون تطبيل ولا تزمير ولا هتافات.. إنه الدم الذي روي من الأرض فعشق ترابها.. وقد أبى عليه دمه إلا أن يبقى يعطيها عصارة فكره وموهبته.. وإن وجد فيها إهمالا أو تهميشا ..
الجمال.. ذلك الذي ابتغاه فيصل الزعبي في إجابته المختصرة التي تضم في طياتها جبالا من العشق.. وهو الغاية الكبرى الذي يسعى إلى غرسه بين الحنايا فيضيء جنباتها.. في تلك اللحظة تبدت في ذهني سريعا تلك المعاملة غير المستحقة التي نواجه بها في وطننا الحبيب.. نحن جميعا الذين كنا نلتف حول فيصل لنحتفل به سبعة أيام لم نفارق بعضنا.. حتى لكأننا في إحدى روابي الأردن نشم معا رائحة التراب والمطر.. بينما رقص طرفة بن العبد في تلافيف دماغي وهو ينشد باكيا: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة// على النفس من وقع الحسام المهند..
رفع فيصل الزعبي راية الأردن عاليا وهو يقود مع المخرج الأردني المهاجر محمد علوه.. أيام السينما الأردنية في الشارقة بدعوة كريمة من دائرة الثقافة والفنون في حكومة الشارقة.. فقد احتفلت الشارقة بفلم (جميلة) الذي لم ير النور في الأردن.. بل ربما واجه حربا وتهميشا لأنه يتخذ موقفا من إحدى أخطر القضايا التي تؤلم المجتمع.. جرائم الشرف.. أو القتل بمجرد الشك أو الوشاية بدعوى الشرف.. تلك الوصمة التي تأخذ أرواح قرابة العشرين فتاة أردنية في العام الواحد .. ثم تثبت براءة معظمهن..
وهو الذي كان رفع راية الأردن قبل ذلك حين أخرج المتنبي برؤية غير مسبوقة لتلفزيون أبو ظبي .. حيث رفع الراية في ثلاث عواصم عربية كبرى حين فاز عمله هذا بجائزة في القاهرة وفي ودمشق وأبو ظبي.. كما رفع راية الأردن ..عندما تم تكريم المتنبي ومخرجه تكريما عالميا في تونس ..
وفيصل الذي فاز بأربعة جوائز عن ستة أفلام.. ما زال يحلم بإيجاد سينما أردنية حقيقية وجادة .. ونشر الثقافة السينمائية في الأردن. لذا لم يكن غريبا أن يأخذ على عاتقه الشخصي إنشاء أول أكاديمية عربية لتعليم الفنون السينمائية المساعدة في الأردن تضم سبعة تخصصات هي السيناريو وإدارة الإنتاج والتمثيل والماكياج والمونتاج والمكساج والمخرج المنفذ.. وبتمويل ذاتي ودون دعم من أية جهة رسمية ولا أهلية متحملا وحده تكاليفها التي فاقت الثمانين ألف دينار أردني. أكاديمية تهدف إلى تسويق الأردن عبر الفن الرفيع وتعليم أبنائه ونشر الوعي السينمائي على أصوله بعد أن ملأ الإسفاف والهذر فضاء الوطن العربي الكبير ..
رأيت بأم عيني كيف أقبل المسؤولون عن الثقافة في الشارقة على فيصل بشغف ليكلفوه بعقد دورات تدريبية وورش عمل في الشارقة ليفيدوا مما لديه في السيناريو والإخراج وتدريب الممثلين. ليطوروا من أداء كتابهم ومخرجيهم وممثليهم.. في الوقت الذي لم يعبأ به أحد في عمان.. رأيت كيف تكالب الصحفيون عليه من مختلف المطبوعات بحثا عن لقاء مستفيض .. أو حتى مختزل.
جاء فيصل إلى الشارقة أياما قليلة .. فكان سببا في اجتماع عدد من الطيور المهاجرة بكفاءاتها المختلفة.. التي احتفلت بحضوره .. ضمتنا معا أماكن عديدة.. ودون علم ولا اهتمام من قنصلية ولا سفارة ولا نادي مغتربين ولا أية جهة ذات علاقة بالأردن.. كان أجمل وأهم تلك اللقاءات الحميمية في منزل المضياف السيد إبراهيم البشايرة المدير المالي لإحدى كبريات الشركات.. ذلك الذي حدثتكم عنه وعن قصة خروجه من الأردن في مقال سابق عن (البلد الطارد للكفاءات) وزوجته المضيافة الإعلامية ريم عبيدات.. ذلك المنزل الذي اعتاد (خميس بن جمعة) وأنا أن نطلق عليه.. بيت الأردنيين في الشارقة.. فكانت فرصة للتعرف بأكثر من طاقة وطنية وكفاءة مهدورة وهاربة من بلدها، ومن مجالات مختلفة بحثا عن الكريم من العيش. لكأن فيصل جاء ليجمعنا نحن الأردنيين الذين ذهبت بنا الحياة عن بعضنا في بلاد لا تعرف شيئا أكثر مما تعرف العمل. نسينا معه همومنا .. وكأننا في استراحة أو نزهة تغسل فيها ما علق بنا من أعباء الحياة والاغتراب.
Amann272@gmail.com