في اسطنبول مئات المساجد،وعمرها مئات السنين،والمدينة فاتنة،وروح الاسلام فيها،وراء كل حجر قديم،وفي كل نقش ووجه وزاوية.
اسطنبول تكثف قصة تركيا اليوم،قصة الهوية،وفيها الشرق والغرب،والنزعة للاسلام،تراها في كل مكان،حتى بين الخصوم،من تيار حزب العدالة الذي يتزعمه ارودغان وصولا الى حركة الخدمة التي يتزعمها العلامة فتح الله غولن ومدارسه وجامعاته ومستشفياته وانصاره.
التنافس على السياسة،لم يلغ ان كليهما يحاول ان يعيد تركيا الى دينها،كل على طريقته الخاصة.
خطيب الجمعة الذي يقف على المنبر،دون ان يصعد الى اعلاه،متوقفا خلال خطبة الجمعة،اقل بعدة درجات عن اعلى المنبر،احتراما لمقام النبي صلى الله عليه وسلم،واقرارا ان مقامه لايسمح له ان يقف اعلى المنبر كذات النبي،ومثله الاف الخطباء في مساجد تركيا يقول ماهو فوق اللفتة،ويأخذك عميقا الى الفكرة التي تقول ان الاسلام عند غير العرب،مقدس،اضعاف ماهو عند العرب،ممن افنوا عمرهم في البحث عن المراقص واماكن السهر،والشعر والمعازف والجواري والغلمان،فالاسلام لم يمتد لولا من نسميهم عجما في مفرداتنا.
تدمع عيناك وانت ترى حلقات الطلبة يتعلمون اللغة العربية والحديث والدراسات الاسلامية،وفي صف في اكاديمية تابعة لحركة الخدمة تتبسم بمرارة فالطلبة يفتحون كل كتب الدين باللغة العربية ويتعلمون ويجهدون وهم يترجمون كتبا نراها على ارفف البيوت مهملة في العالم العربي،ونعمة اللغة بددناها في كل هذا اللغو المنحط في حياتنا.
هنا،يقبلون على العربية والدين دون ان يفقدوا لغة العالم،اذ فيهم الطبيب والمهندس وغيرهما،والقصة تلخص صراع الهويات في تركيا،بين من يريد ردها الى اسلامها ومن يريد تغريبها،واولئك الذين يريدون قليلا من الشرق وقليلا من الغرب،فلا يموت الذئب ولاتفنى الغنم.
اذ تسمع حجم التراشقات والاتهامات بين الاسلاميين في تركيا،تعرف ان هذا اكبر خطر يهدد تركيا اليوم،وهو صراع مؤهل وقابل للتوظيف من خصوم الداخل والخارج،الذين يسعون لتدمير الاسلاميين ورد التهمة الى الدين ذاته ومعاييره الاجمالية.
كل مسؤولي حزب العدالة يطلقون النار على حركة الخدمة وهي حركة اجتماعية يتزعمها العلامة فتح الله غولن،فيما لاتسكت الحركة وترد هنا وهناك،والخلاصة اشتباك الطرفين معا،في اضعاف لمعسكر الاسلاميين،وهو اضعاف يصب لصالح العلمانيين والقوى القومية التركية والتيارات المناوئة للاسلاميين في تركيا،فوق ايدي الخارج المبثوثة هنا وهناك،ومافي الجيش والمخابرات من خلايا نائمة تريد الانقضاض على الاسلاميين.
حزب العدالة اكتسح الانتخابات المحلية،وهو في طريقه الى الانتخابات الرئاسية في شهر آب المقبل،وهذه شهور خطيرة،تواجه فيها تركيا اخطار تفجير الصراع من الداخل على يد عملاء من هنا وهناك،نكاية بحزب العدالة الذي جلب ازدهارا اقتصاديا واستقرارا سياسيا،فوق احياء الروح الممتدة.
مع هؤلاء اطراف دولية واقليمية تريد شب النار في هذا البلد،وقد لايعجزون عن ايجاد عنصر اشتباك لتفجير الصراع على اساس صراع بين تيارات اسلامية،فوق الملفات الثقيلة المعروفة كملف الاكراد وملف العلويين وملف الحريات وملف الانضمام للاتحاد الاوروبي.
معنى الكلام ان الذين يشعرون بغيظ شديد من تعميد اردوغان واعادة الاستفتاء عليه عبر الانتخابات المحلية،سوف يستدعون كل قواهم الاحتياطية هذه الايام وخلال الشهور القليلة المقبلة،من اجل اسقاط الرجل عن عرشه،والقوى الحقيقية التي تلعب متعددة،وكل الخشية ان يتم الولوج الى هذا الخراب عبر توظيف صراع الاسلاميين معا،مما يجعل رأب الصدع بين الاسلاميين مهما جدا،لاغلاق الباب في وجه الخصوم الحقيقيين.
الافاعي في بيت السلطان لا تعد ولا تحصى،والمهم ان لا نصحو على هدم بيت السلطان كله بذريعة التخلص من الافاعي.
(الدستور)