"الشعب احبط اليوم المخططات الخبيثة والفخاخ اللاأخلاقية، واحبط اولئك الذين هاجموا تركيا ولن تكون هناك دولة داخل الدولة".
حان الوقت للقضاء عليهم".. بهذه الكلمات خاطب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان انصاره بعد فوز حزب العدالة والتنمية الذي يقوده بنحو نصف اصوات الناخبين في الانتخابات البلدية، التي اعتبرها المراقبون استفتاء على حكمه، مما دفع احد المعلقين الى القول "ان الناخبين الاتراك صوتوا لأردوغان لانهم يعتقدون ان تركيا ستسقط اذا سقط هذا الزعيم"، فهو لم يعد رئيسا لحزب او رئاسة الوزراء بل تحول الى زعيم للامة التركية وقائدها الذي استطاع ان يمخر بها عباب الامواج المتلاطمة وينقلها من امة تعاني من الفقر والفاقة والبطالة الى بلد يحتل المرتبة السابعة عشرة اقتصاديا على مستوى العالم، واستطاع ان ينقذ تركيا من الافلاس ويسدد كل ديون صندوق النقد الدولي بل ويدينه 5 مليارات دولار، وتمكن من اعادة تركيا الى هويتها الاصلية وجعل التركي يفتخر بتركيته في العالم، وهو ما ردت عليه الحشود المليونية التي اجتمعت للاحتفال بالنصر وهتفت " الله اكبر ..تركيا فخورة بك".
ثلاثة عناصر قادت أردوغان لهذا الفوز التاريخي بنسبة 46% وهي: توفر كاريزما القيادة وكادر من الكفاءات وشعب واعي، وهي متطلبات اساسية للنجاح في أي مجتمع، فعلى الرغم من الحملة الشرسة عليه من جميع خصومه بلا استثناء، وانقلاب حليفه السابق فتح الله غولن عليه، وقصفة بالاتهامات بالفساد وبث تسريبات لاجتماع سري لمجلس الامن القومي لتشويه سمعة نظامه، الا ان الشعب التركي وضع هذه الحملة وراء ظهورهم وانحازوا الى الانجازات على الارض، فهذه الادعاءات لا تساوي شيئا في مواجهة التطور الكبير الذي شهدته تركيا خلال 12 من حكم أردوغان، مما جعل من تركيا بلدا يحسب حسابه اقليميا ودوليا، ورسخ مكانة تركيا كقوة اقليمية لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية، وهذا ما يدركه الاتراك جيدا، وهو ما اقنع واحدا من كل اثنين للتصويت لأردوغان وبرنامجه ورجاله.
هذا الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية لا يعني نهاية المطاف بالنسبة لأردوغان فقد هدد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي الذي فاز حزبه بنحو 15% من الاصوات انه "لن يعود اي شيء كما كان، لان أردوغان اختار المضي في طريق الانقسام، وان الفوز التي حققه حزبه لا تبرئه من شبهات الفساد"، مما يعني ان الحرب ستستمر ضده بلا هوادة، وهو ذات الموقف الذي اتخذه فتح الله غولن الذي يدير شبكة اعلامية وتعليمية ضخمة وتبين ان انصاره تغلغلوا في القضاء والشرطة، مما دفع أردوغان الى اتهامهم بإقامة "دولة موازية" وتوعد ان يجعلهم يدفعون الثمن، مما جعل سونير كاجابتاي من معهد واشنطن القريب من دوائر اللوبي اليهودي في العاصمة الامريكية الى التبشير بان فوز أردوغان سيثير " غضب الليبراليين وانصار غولن والمعارضة العلمانية وسيصبح تركيا اكثر استقطابا، مع خطر حصول اضطرابات"، وهذا يعني ان الحكومة التركية ستواجه معركة مع حلف "ليبيرالي علماني غولاني "انصار غولن"، وانهم سيعمدون الى محاولة ضرب الاستقرار واشاعة الاضطرابات في الشوارع، كما جرى في الشهور الماضية، وهو ما توعد أردوغان بمواجهته بكل حزم بعد ان حصل على "تفويض شعبي ديمقراطي".
نتائج الانتخابات البلدية في تركيا درس بليغ في ممارسة الحكم بهدوء وتؤدة وحزم وثبات، وفي الاعتماد على الثقة الشعبية وعلى ارادة الناس التي لا تقهر، وعلى الكفاءة في مواجهة الالة الاعلامية الضخمة لخصومه واعدائه، ودرس بليغ في الوعي الشعبي وثقافته وقدرته على التمييز بين الغث والسمين وبين الصالح والطالح، وبين الحقائق والافتراءات، وهي القدرة الشعبية التي جعلت من أردوغان الشخصية الاكثر شعبية في البلاد منذ عقد من الزمان، فهذا الشعب اسقط الفضائح التي قذف أردوغان بدل ان يسقط الزعيم الذي قاده الى الاستقرار والازدهار والكرامة بين شعوب العالم.
فاز أردوغان فوزا تاريخيا انقذه من الجلوس في بيته بعد ان تعهد بانه "سيعتزل السياسة اذا لم يفز حزبه، فكان الشعب على الموعد ومنحه ما يكفي من الاصوات لكي يواصل الزعامة، لكن هذا لا يعني ان الحرب ضده وضد حزبه وحكومته ستتوقف، فأعداؤه سيستمرون في محاولة استنزافه في معارك جانبية وهامشية لإنهاكه وارباكه وابعاده عن المضي قدما في تنفيذ برامجه الطموحة لبناء تركيا الحديثة القوية، لكي لا تكون مثل اوكرانيا التي التهمت روسيا جزءا من اراضيها دون ان تحرك ساكنا.