قد تبدو الكتابة عن قمة عربية قبل عام من انعقادها استباقاً غير مبرر لان الاحداث المتسارعة في الاقليم والعالم تأتينا بما لم نزود ساعي بريد أو كمبيوتر أو اي حاسوب ذكي، لكن تحديد القاهرة مكاناً لانعقاد القمة القادمة بمبادرة اماراتية حيث تبادلت مع مصر الدور، له دلالات أهمها ما قد تنجزه مصر القادمة عبر خارطة المستقبل من استقرار ولو نسبي، لأن الاستقرار بمعناه الشامل قد يكون أبعد من المدى المنظور، وأحد شهراً قادماً سيكون خلالها للتاريخ مفاجآته غير المحسوبة، فما جرى خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة من متغيرات دولية وعلى صعيد الاقليم كان يحتاج بمقياس الايقاعات الكلاسيكية الى اعوام، وفي مقدمته ما حدث في استفتاء القرم التي التأمت مع الخريطة الروسية وسط استنكار وتهديد بالحصار الاقتصادي ومختلف اشكال العقوبات الدولية، لكن ما حدث بالفعل هو بداية التأقلم وعلى استحياء مع أمر واقع لأن السياسة في ذروة برغماتيتها تخضع للصفقات والمقايضات وما يدور خلف الكواليس الدولية ولا تخضع لأية معايير أخرى.
والانتخابات الرئاسية المصرية وما سوف يعقبها من انتخابات برلمانية بدأت تطرق ابواب مصر بعنف، وهناك رهان شعبي على ان الانتخابات وصناديق الاقتراع سوف تنهي سجالاً سياسياً وايديولوجياً ساخنا في الاوساط الشعبية بالدرجة الاولى، بسبب الحاجة الملحة الى عودة الحياة اليومية التي غابت لاسباب قسرية ثلاث سنوات، تفاقمت فيها البطالة، وطال الترقب وبدت الحياة كلها كما لو انها معطلة، لهذا نرجح ان تكون عناوين اجندة القمة القادمة مختلفة الى حد ما عن العناوين التي شغلت القمة لهذا العام رغم انها أبقت الابواب مواربة ولم تتوصل الى انفراج أزمات مزمنة، وقد تطرأ على قمة عام 2015 محاور جديدة، منها أزمة سد النهضة بين مصر واثيوبيا، فالماء أحيانا ينافس الدم في ازماته، لهذا كان انعقاد اول قمة عربية متعلقاً بالماء وبالتحديد بمحاولات اسرائيل تحويل نهر الأردن.
وبالتأكيد لن تبقى الأزمة السورية في هذه المراوحة الدموية، فالاشهر الثلاثة الاخيرة على الاقل من هذا العام ستدخل الازمة في فصل آخر قد لا يكون فصل الختام، لكنه فصل ينذر بالحسم.
أما أزمة الخليج التي بدأت بسحب سفراء ثلاث دول من الدوحة وقد لا تتوقف عند هذا الحد، فهي ايضا مرشحة لأخذ نصيب آخر من القمة القادمة.
وبالتأكيد لن تستمر المفاوضات المتعثرة بين الفلسطينيين واسرائيل معلقة على نحو يحولها الى مضيعة للوقت فقط، وبالتالي اتاحة المزيد من الوقت لمضاعفة الاستيطان، وتصعيد المطالبة الاسرائيلية باعتراف العرب بدولة يهودية وليس معنى ذلك ان قمة 2015 ستكون منقطعة عن شجون قمة هذا العام، بل سوف ترث الكثير من حمولتها وما قد يتغير بالفعل هو ما سوف تسفر عنه الاوضاع السياسية في مصر التي ستستضيف القمة القادمة، فهي على الارجح عامل فاعل ومؤثر في تحديد البوصلة وجهة هبوب الرياح!
(الدستور)