على بسطة امام مسجد في بلدة اردنية عرض مجموعة من الباعة خضروات وفواكه امتثالا ل"اطلبوا الرزق عند تزاحم الاقدام". تهافتت الجموع علّها تفوز باسعار "طايحة" بعدما طارت وغارت".
جال ابو علي على المعروضات، فكان تسلسل الاسعار ليس في المتناول. البندورة ب50 قرشا والبطاطا ب80 قرشا و الباذنجان بدينار. هكذا وصل الرجل الستيني الى خاتمة جولته الاستطلاعية. تحسس جيوبه ليطمئن على وجود " المخمسة" الحمراء .
وقف يحسبها سريعا،" من زمان ما شافوا الدجاج" وما في الجيب لا يكفي لشراء مقتضيات" مقلوبة الجمعة". ترى ما الحل؟!
بالتفاتة الى نهاية العرض اكتشف بائعا يعرض كمية من الفطر البري. عقد العزم على شراء الفطر وحسم تردده . سأل الفتى صاحب البسطة: بكم كيلو الفطر يا عمو : بليرتين الكيلو .
بدا ان الاجابة وجهت له صفعة ثانية كان تلقى سابقتها في "النتافة" التي ابلغها عاملها ان سعر "الكيلو" ديناران.
تساوى لديه أسى ديناري الدجاج والفطر .
رد متهكما : يا زلمة خاف الله هو الرعد يشتغل عا ديزل.
...في غمرة تآكل مداخيلهم وانحدار مستوى معيشتهم يلجأ الاردنيون الى السخرية المرة من معاناتهم وألآمهم، فوحشية الغلاء وجحيمه يتمظهران في سلوكهم وردات فعلهم التي تصبح خارجة عن سيطرتهم بصفتها انعكاسا لظروف اسهمت سلبيتهم في بلوغها.
مرد القلق والتوتر الذي يجتاح حياة الاردنيين هو شعورهم الجمعي بسادية الظرف وقتامته وادراكا انه ليس في مقدورهم فعل شيء، فتعبيراتهم تكثف عجزهم المفضي الى ذروة الهروب. هروب يجد تجلياته في استرجاع ذاكرة المعاناة التي عاشها اباؤهم في محاولة لاقناع الذات في أن المعاناة جزء متأصل من الوجود الجمعي للناس، وهم لا يستغربون مقولة كبار السن "المبلول لا يهتم برشق الميّة".
قال برنارد شو "في عالم قبيح شقي، لا يستطيع أغنى الأغنياء أن يشتري إلاّ القبح والشقاء".