وحدنا في الاردن نسارع الى إطلاق أحكام مسبقة ونرفض ترك الجمهور حَكما , ووحدنا ايضا كما يقول رئيس مجلس الاعيان عبد الرؤوف الروابدة , نرفض منح المسؤولين مساحة خطأ بشري , فكل تراث المسؤول قد يسقط امام خطأ في موقف او قرار , وأُضيف انه يمكن ان نغفر تراثا من الخطيئة لموقف واحد يتناسب مع رغباتنا كما فعلنا مع كثيرين أوسعونا قمعا ثم جعلناهم قادة معارضة ودعاة حرية .
امس استعرضت فضائية أقوال الصحف الاردنية وتعليقاتها على زيارة امير قطر الى عمان , تلك الزيارة المُرّحب بها دائما وابدا , وقال الزميل الاردني مُراسل القناة , في صحيفة “ سين “ القريبة من الحكومة وعرض ما قالته , واضاف اما في جريدة “ ص “ المُستقلة ونبش صفحاتها , ثم ختم بما قالته صحيفة “ ع “ بوصفها صحيفة معارضة فأستعرض محتوياتها وأرشيفها .
السؤال مَن منح الزميل الاختام ومن اوحى له بالتصنيفات ؟ علما بأن القُرب من الحكومة ليس مَثلبة ولا المعارضة مَدحا , وعلما بأن اكثر ما يُنكره الزميل وفضائيته انهم ينطقون باسم حكومة ودولة الدعم والتمويل للقناة , فكيف اصدر الزميل احكامه ولماذا ينفي تهمة هو يمارسها كل ساعة وكل تقرير .
ليس المطلوب من الصحفي او المراسل الفضائي ان يكون ناقلا للاوصاف بل كامل الاوصاف من حيادية وموضوعية وبسط وجهات النظر بحيادية للقارئ او المشاهد , ويستطيع من خلال مقاله ان يقول ما يشاء فهذا رأي نختلف او نتفق معه محترم وجدير بالاستماع , والرأي لا يُخطَأ , ويجب التعاطي معه او الرد عليه برأي مُقابل .
فجريدة المعارضة في موقف ما قد تكون جريدة موالية او مؤيدة في موقف آخر او لجهة اخرى ولا ترى فيها عيبا بالمطلق كما كل صحف المعارضة التي عن كل عيب كليلة للحزب الممول او الجهة الداعمة , كذلك الفضائيات التي تشيطن من يحجب عنها وتمدح من يجلس في اركانها , وتحقق رسالة من يدعمها ويوفر لها الاستدامة والرواتب , فلا براءة في الاعلام .
نقسوا على انفسنا كثيرا ونقسوا على واقعنا اكثر وننسى ان ما ننتقده اليوم ننسفه غدا او ننقلب عليه , فكل الذين مارسوا حرية النقد على مواقع التواصل الاجتماعي هم انفسهم من دعموا القرار التركي بحجم المواقع الاجتماعية في شيزوفرينيا عجيبة , بمن فيهم ابرز قناة انتقدت محاولات النظام المصري حجب المواقع وقطع الانترنت في مصر ولكنها مارست الصمت بكهفية عجيبة على حكومة اردوغان التركية .
يُحكى ان رجلا كان يمتلك دجاجة تبيض كل يوم بيضة من ذهب , فاستعجل الرجل الثروة وقرر ان يشقّ بطن الدجاجة لإخراج كل الذهب مرة واحدة كي يستريح , لكنه وجد امعاء الدجاجة خاوية من الذهب , وهذا حال من يستعجل قطاف اللحظة او تطويعها لرغبته ورغائبه دون التفاتة للواقع الموضوعي وظروف التكوين , ونخشى ان يكون الاعلام الحامل الاختام هو اول من يدفع ثمن استعجاله في الوصف والتوصيف , فالبوصلة غدا قد تختلف اتجاهاته فنجده يقول عكس ما قاله , ومن يراجع تراث الاعلام الفضائي والاعلام بشكل عام سيجد الكثير من الامثلة .
يجب ان نتريث قليلا ونحاكم كل تجربة بما لها وما عليها , وعلينا الا ننجر الى الدعم او النهي والنفي حيال الشخوص , فربما يبدأ الانسان على الايمان وينتهي كافرا ولربما يبدأ حياته بالكفر وينتهي مؤمنا كما يقول السلف الصالح .
(الدستور)