على السطح، تبدو الأمور مستقرة مقارنة مع الأجواء السياسية الصاخبة التي سادت بعد استشهاد القاضي رائد زعيتر، والتجاذب الحكومي النيابي الذي وصل إلى حد طرح الثقة بالحكومة.
النواب أكثر هدوءا من قبل. صحيح أنهم يحضرون بتثاقل تحت القبة، وبالكاد تؤمّن رئاسة المجلس النصاب، لكن شهيتهم لم تعد مفتوحة على السجال كما كانت من قبل. بعد التصويت على الثقة، أصبحوا أكثر إدراكا لحدود قدرتهم، وأكثر فهما لمعادلة الحكم في البلاد. لم نعد نشهد مشاكسات مع الحكومة، ولا ثورات غضب ضد الرئيس والوزراء.
في الجلسات الأخيرة للمجلس، انكبّ النواب على العمل لإنجاز التشريعات في النهار، وعلى"الكولسة" ليلا لتشكيل التحالفات والائتلافات استعدادا للدورة البرلمانية المقبلة، وانتخابات رئاسة المجلس.
الحكومة تشعر بأنها في وضع مثالي، لم تسبقها إليه حكومة من قبل؛ نالت الثقة مرة ثانية، وهي منشغلة بتفاصيل العمل اليومي وتوفير ما تبقى من مبالغ للوصول إلى نسبة العجز المقبولة دوليا في الموازنة. الرئيس وفريقه الاقتصادي يفكرون منذ الآن بمؤشرات موازنة العام المقبل. يتصرفون باعتبار الحكومة باقية حتى موعد الدورة العادية للمجلس.
والأهم من ذلك كله، أنهم كُلفوا من الملك بإعداد خطة عشرية لتحسين الأوضاع الاقتصادية، ورفع مستوى معيشة المواطنين، بعد المصاعب الكبيرة التي واجهتها قطاعات شعبية واسعة جراء سياسات التصحيح الاقتصادي التي نفذتها حكومة د. عبدالله النسور.
التكليف الملكي يعطي إشارة قوية على أن الحكومة باقية لفترة طويلة.
الفريق الوزاري مرتاح تماما؛ لا تغيير قريبا، ولا تعديل وشيكا. الرئيس طمأنهم، وأكد أن التعديل ليس واردا حتى.
مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية يجري استطلاعا للرأي حول شعبية الحكومة بعد مرور عامين على تشكيلها. النتائج ربما لا تكون أفضل من سابقتها؛ شعبية على الحافة، ومتدنية مقارنة مع معظم الحكومات السابقة.
ذلك لا يهم في نظر الحكومة، فكم من الحكومات في العالم تحكم من دون شعبية عريضة. المهم في الدول الديمقراطية أن تحظى الحكومة بثقة النواب لكي تستمر، وهذا صار في الجيب مرتين!
على جبهات عديدة، تفضل الحكومة سياسة التسكين وتجنب الأزمات. مع النواب، تلجأ إلى تسويات في المكاتب، ومع مراكز صناعة القرار في الدولة لا مشاكل تُذكر أو ظاهرة على السطح. وفي الشارع، تتجاهل الرد على الأصوات التي ترتفع هنا وهناك منتقدة، أو تطالب برحيلها.
هذه بلا شك حالة نادرة في الحياة السياسية الأردنية؛ لم يسبق أن كانت الحال مستقرة في مراكز القرار على هذا النحو. والمثير أن يتوفر هكذا وضع بينما الإقليم يغلي من حولنا.
يقر ساسة، بمن فيهم خصوم رئيس الوزراء عبدالله النسور، أن الرجل محظوظ وذكي أيضا؛ يتقن مهارات كسب الرضى، وتطبيق السياسات المطلوبة وتحمّل نتائجها أيضا. الظروف ساعدته كذلك؛ تغيير الحكومات لم يعد أمرا مستحباً، وحساسية الظروف والحسابات الداخلية والخارجية، ما تعلق منها بالوضع الاقتصادي خصوصاً، لا تحتمل خطوات طائشة ومستعجلة كالتي حصلت من قبل.
لكن، ثمة من يتساءل من السياسيين: من قال إن الهدوء القائم مؤشر استقرار ودوام الحال؟ الهدوء في مثل هذه الحالات ليس سوى حالة تأمل، تمهد لعاصفة بعدها؛ تراها الحكومة بعيدة، ويراها سياسيون قريبة.
لم يبقَ من عمر الدورة البرلمانية سوى شهر واحد، ومن بعده دورة استثنائية. من يعرف الخطوة التالية في الصيف؛ عطلة نيابية تعود بعدها حكومة النسور إلى جولة جديدة مع النواب، أم أننا بصدد مرحلة جديدة ووجوه جديدة؟
(الغد)