عمد سيدنا ابراهيم عليه السلام على استراتيجية هجومية عندما استعصى عليه ان يقنع الناس بعبادة الله سبحانه وتعإلى وترك عبادة الاصنام، وذهبت جميع محاولاته الاقناعية ادراج الرياح مع استخدامه الكلام، وحتى والده لم يستجب له، فكان ان انتقل إلى مرحلة اخرى وهي تكسير الاصنام وتحطيمها الا واحدا منها لتحميله مسؤولية ما حدث، وعلى الرغم من البرهان العملي على فساد معتقداتهم الوثنية واعترافهم ان هذه الاصنام غير قادرة على النطق والحركة وحماية نفسها او القيام باي فعل، فان ردة فعل القوم كانت "حرقوه"، وهي نتيجة غريبة ومحيرة، فابراهيم عليه السلام اقام عليهم الحجة الا ان الرد كان اقصائيا واجراميا الا وهو حرقه للتخلص منه.
هذه الاستراتيجية "كسر الصنم" يحتاجها العالم العربي اليوم اكثر من اي يوم مضى، فقد تغيرت الصيغة الصمنية، وبدل ان يعبد الناس حجارة لا تنطق انتقلوا إلى عبادة الاشخاص، وتحويلهم إلى "الهة" يساعدهم في ذلك الة اعلامية ضخمة ومذهلة، تقلب الحقائق وتسحر اعين الناس وتزيف وعيهم، وافضل مثال على ذلك هو ما يجري في مصر حيث يقوم "سحرة من رجال الدين والاعلام" على تحويل الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي إلى صنم كامل الاوصاف، وتكفل رجال دين باسباغ الصبغة الدينية عليه بوصفه "مبعوث العناية الالهية" و "المخلص" و"المنقذ" وذهب رئيس قسم الفقه جامعة الارهر إلى وصفه ب"بالنبي" مثل موسى ووصف وزير الداخلية محمد ابراهيم بانه نبي مثل "هارون"، في واحدة من اشد الاعتداءات على الاسلام والعقيدة الاسلامية، وذهب بعض الشيعة في مصر إلى اعتبار السيسي بانه وصية "علي بن ابي طالب" بما يمهد لاعطائة صفة "الولاية والعصمة".
وفي الجانب الاخر قامت وسائل الاعلام المصرية والاماراتية والسعودية بتحويل محطاتها الفضائية وصحفها ومواقعها الالكترونية إلى ابواق للترويج للسيسي وتلميعه وخلق صورة وهمية له بانه "البطل" وان مستقبل مصر مرتبط به، وعمل الالة الاعلامية المصرية التي يسيطر عليها الانقلاب على "النفخ" في الرجل إلى درجة تقديمه وتسويقه على انه "الحلم والامل"، وللاسف غاب عن الفضاء العربي اعلام كمي مكافئ في مواجهة التدليس والكذب والتزوير، ولولا قناة الجزيرة والجزيرة مباشر مصر، لكان الفضاء ملعبا فارغا للالة الاعلامية الانقلابية، مع عدم اغفال بعض المحطات الصغيرة مثل القدس والحوار واليرموك، وهي قنوات صغيرة غير قادرة على صد الهجمة الاعلامية الانقلابية الشرسة والكبيرة.
لكن وعلى الرغم من هذه الحملة الضخمة لتحويل السيسي إلى "البطل المنقذ والمخلص ومبعوث العناية الالهية"، في المحطات الفضائية التي يهمين عليها الحكومات السعودية والاماراتية والانقلابيون في مصر، الا ان الغلبة كانت لمناصري الشرعية والربيع العربي وثورة 25 يناير في الاعلام الجديد، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومالت الكفة لصالح المحروين من الاعلام التقليدي، باستثناء الجزيرة والقدس والحوار واليرموك، وبدت معركة الانقلابيين ومموليهم خاسرة، وافضل مثال على ذلك الحملة التي دشتها مناصرو الشرعية والمعارضون للانتخابات بعنوان "هاشتاق" #انتخبوا_العرص على موقع توتير لتسجل 100 مليون تغريدة خلال يومين فقط، مما حول هذا الهاشتاق "الوسم" إلى ثالث اكبر عنوان متداول على تويتر، الامر الذي اثار اهتمام وسائل الاعلام في العالم العربي والعالم، وقامت بعض المحطات التلفزيونية باعداد تقارير مصورة على هذا "الوسم"، مما وجه ضربة نجلاء لمحاولات تحويل عبد الفتاح السيسي إلى "صنم"، وعملت معاول المغردين على تكسير الصنم بضخ ملايين التعلقيات والصور الساخرة التي قلبت صورة الجنرال إلى "مسخرة" وانقلبت الامور ضد بطريقة لم يشهدها العالم من قبل، الامر الذي اثار حفيظة الاعلاميين المروجين للانقلاب في مصر.
السيسي الذي تحول خلال عامين من لواء إلى فريق ثم مشير حصل على وسم خاص به هو #العرص وهي كلمة اصطلاحية تعني الكثير في مصر والاردن وفلسطين وسوريا، ويكفي ان تصف بها شخصا ما حتى يتحول الامر إلى عراك بالايدي، ونجح ملايين المغردين بربط هذه الوسم بالسيسي إلى درجة انك لا تذكر احداها الا ويتداعى إلى الذهن التالي، وتحولت عبارة "#انتخبوا_العرص إلى لافتات وبوسترات ورسومات على الجدران وهتافات في الشوارع وشعارات في المظاهرات التي تجتاح مصر، وسرعان ما ستتحول إلى كلمة عابرة للحدود حتى في الدول العربية التي لا تعرفها، كما اجتاحت الكلمة الفرنسية "ديقاج" التي تعني "ارحل" العالم العربي وحتى ايطاليا بعد استخدامها في الثورة التونسية.
لقد تحطمت صورة البطل، وتحول المنقذ إلى شخص باحث عن وسيلة لوقف هجوم المصطلح لانقاذ نفسه، ووقف تدهور صورته، فكسر رمزية الصورة تعني الانكسار، والخسارة، ومن هنا فان اجتراح هذا الوسم على تويتر وتحويله إلى شعارات وهتافات واغاني في المظاهرات "ضربة معلم"، واذا كان السيسي قد وعد بحملة انتخابية غير تقليدية، فان انصار الشرعية دشنوا حملتهم ضده بطريقة "غير تقليدية" على الاطلاق، هي الاولى من نوعها في التاريخ العربي وهي الاكثر قوة منذ انطلاق الثورات العربية.