الرسالة الملكية الأخيرة للحكومة تعبر عن قناعة لدى جلالة الملك بأن أولوية المرحلة المقبلة هي القضية الاقتصادية وعنوانها حق الأردنيين في حياة كريمة، وتفاصيلها التعامل مع المديونية المتزايدة، الاستقرار المالي، محاربة الفقر، معالجة البطالة، الطاقة، الغلاء، وأيضاً تبعات الأزمة السورية على الاقتصاد الأردني.
هذه الرسالة ليست توجيهاً لإعداد خطة نظرية، أو دعوة لفتح أرشيف الخطط والإنشاء الاقتصادي، بل هي القناعة بأن التحدي الأهم للدولة هو الاقتصاد، وهو المدخل لمعالجة ملفات السياسة والأمن والثقة وحتى قضايانا الاجتماعية.
وما تقوله الرسالة الملكية أن الدولة بحاجة إلى مسار اقتصادي واقعي علمي يتعامل بشمول مع كل الملفات والقضايا الاقتصادية، وأن يكون برنامجاً لمدة عشر سنوات، لأن معظم الملفات لا يمكن التعامل معها بوعود قصيرة الأجل، بل بمسارات واضحة قابلة للقياس.
أما الفكر الذي يجب أن لا يغيب عن الحكومة التي ستضع البرنامج والحكومات التي ستنفذه فهو فكرة الحكومة البرامجية التي تعمل وفق خطة وجدول زمني، وبفريق كامل القوة والحضور والكفاءة، فليس لدى الدولة ترف شراء الوقت أو إضاعة الفرص في إدارة الملف الاقتصادي الذي أصبح محركاً لكل الملفات الأخرى.
الحكومات البرامجية هي السبيل لإدارة ملفاتنا الكبرى باحتراف، وعندما نتحدث في القضية الاقتصادية فإن كل تفاصيلها اليوم ضاغطة على الجميع، فمطالب الناس وأولوياتهم فرص العمل و التنمية والرواتب والغلاء...، ولا يمكن اعتبار أي حكومة بأنها ناجحة إذا لم تستطع أن تقدم شيئاً ملموساً في تفاصيل الملف الاقتصادي.أهدرنا فرصاً كبيرة لمبادرات وأفكار كانت مدخلاً لبعض الحلول، قصرنا في تنمية المحافظات وحولنا الملف إلى جدل بين نخب عمان وذهب البعض إلى حد اعتبار مبادرات المحافظات مقدمة لضم أنبار العراق وإعادة الضفة إلى حكم الأردن، وكانت مبادرة سكن كريم مدخلاً لتوفير السكن لذوي الدخل المحدود، فتحول الملف إلى جزء من اتهامات الفساد والشقق عبئاً على الحكومة لا تجد من يشتريها... والأمثلة عديدة.
الاقتصاد الملف الأصعب والأهم وهو عنوان المرحلة القادمة بكل تفاصيلها، فكلنا تحت وطأته، والمواطن أولويته فرصة عمل لأبنه ودخل يكفيه حتى نهاية الشهر، والنجاح فيه دعم للاستقرار والأمن، والفكر الذي يجب أن يقود المرحلة لا بد أن يرتقي إلى فكر ورؤية الملك التي تريد برنامجاً حقيقياً يحقق النتائج ويمكن قياسه.
(الرأي)