.. «لعشر سنوات مقبلة» وهكذا يصل جلالة الملك الى السلسلة الذهبية أيام كان النهوض الوطني يقوم على خطط خماسية, وسباعية, وثلاثية وهي المعروفة بخطط التنمية.
فالمؤكد أن عودة الدولة الى مقدمة قطار التخطيط والاستثمار والتنفيذ لا يقلل من أهمية دور القطاع الخاص, لكن هذا القطاع ما يزال اقل من قيادة العملية التنموية!
لقد تصورنا في فترة التوقف عن خطط التنمية باسم الريغانية – من الرئيس ريغان – والتاتشرية – من مارغريت تاتشر – ان التخطيط الاقتصادي والاجتماعي هو احدى صفات الانظمة الشمولية والى ما اسماه الاميركان «بالدولة الكبيرة». وكانت الازياء العقائدية الليبرالية تحدد مهمات الدولة بأنها مهمات تدخل سريع, وادامة.. وان رأس المال والمؤسسات المالية وشركات الصناعة, هي التي يجب أن تقول كلمتها في حياة المجتمعات. واذا كانت هذه «الثورة الليبرالية» قد نجحت في اسقاط الانظمة الشيوعية والاشتراكية فإن العالم النامي دخل حالة الفوضى المالية والاقتصادية ويكفي أن نقف أمام المعضلة التي وصلنا اليها: وهي تدفق المال من العالم الفقير الى عالم الاغنياء وليس العكس. وكان دهاة الليبرالية المتوحشة ارادوا اقناعنا بأن النفط الذي تصدره بلدان محسوبة على العالم النامي, كفيل بتوازن التدفقات وعدالة التجارة بين الاغنياء والفقراء!
جلالة الملك, وهو الرائد الذي لا يكذب اهله يوجه للحكومة مؤشرات تعيدنا الى ايام التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والى الزمان الذي كانت فيه موازنة الدولة ثلاثين مليون دينار وكنا نقيم صناعة تكرير النفط, والاسمنت, ونبني الخط الصحراوي من عمان الى العقبة, ونمد قناة الغور الشرقية. وكانت الدولة تأخذ على عاتقها كل مهمات التعليم والصحة والمواصلات والدفاع الوطني!
إننا الان, ونحن نعيد قراءة الخصخصة, باللجنة المؤهلة للتحقيق.. نعرف سلفاً, أن الاخطاء كان من الممكن أن تكون أقل لو أن الجهاز الحكومي لم يدخل مرحلة الترهل.
لقد عدلت الولايات المتحدة واوروبا من موجة الليبرالية المتوحشة بثمن عال.. وكان اخرها تدهور البنوك وهي أدوات المال الاكثر نفوذاً الى حد تدخل الخزانة الاميركية وبنكها الفيدرالي لانقاذها.. والا لكان الاغنياء وصلوا الى الكساد المشهور في اواخر العشرينات وأول ثلاثينات القرن الماضي! لكن هذا التعديل وقف عند حد تشديد رقابة الدولة على الاقتصاد. اما الفقراء فقد تنبهوا الى أهمية عودة الدور الحكومي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. والنموذج الهائل امامنا: الصين والهند ونمور اسيا!
علينا ان نقف طويلا أمام رسالة الملك الى الحكومة. فمجرد توجيه جلالته لها, بدل خطاب عام, هو اعادة الدور الى الدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
(الرأي)