الحديث عن الزراعة والحراثة والفلاحة ، والمطر والينابيع ، والقمح والشعير والبندورة ، والتين والزيتون ، يلامس شغاف قلوب أغلب الأردنيين، لأن معظمهم فلاح ابن فلاح ، تفتحت عيناه بين الحقول ، ونشأ وترعرع بين الحواكير وأسراب الدجاج البلدي ، وما زالت مسامعه تختزن صياح الديكة قبل اذان الفجر ، وما زالت ذاكرته تحتفظ بذكريات حول مطاردة من كلب، أو نطحة من ماعز ، أو شربة ماء على ظمأ شديد من جرن مليء بالطحالب وأشياء أخرى....
الزراعة أصل التحضر الانساني ورمز استقرار المجتمعات البشرية، وعنوان أمنهم الغذائي ، وحول الزراعة نشأت وقامت المجتمعات السكانية ، ومن أجلها استحدثت الصناعة ، التي أوجدت الأدوات والوسائل التى سهّلت عملية الغرس والري والحصاد ، ثم نشأت الحاجة للتجارة ، من أجل نقل المحاصيل ، وبيع المنتجات ، وتبادل الحاجات، فليس هناك مبالغة في القول أن الزراعة تمثل سر الحياة وسر دوامها واستمرارها، وسر بقاء الإنسان وعيشه، وأصل الصناعة وأصل التجارة.
استضافت مبادرة «زمزم» مجموعة من الفلاحين، المختصين والمهتمين في الشأن الزراعي، للحديث حول وضع القطاع الزراعي الأردني ، ومشاكله ومعوقاته ، ومستقبله ، وتم الاستماع إلى حديث مهم ومسؤول ، وتم طرح أفكار جميلة وذات دلالات خطيرة ، ينبغي أن يسمعها أصحاب المسؤولية والاختصاص، وكل من له علاقة بالشأن الاقصادي ومؤسسات اتخاذ القرارعلى الجملة ، بكل مستوياته ودرجاته.
الأردن جزء من بلاد الشام التى كانت موطن الآراميين، الذين تنسب اليهم فنون الزراعة وأصولها ومصطلحاتها، وأنواع المزروعات وأصنافها وأشكالها وأسماؤها، ومن هنا انتقلت إلى كل انحاء العالم ، ولذلك تم تسجيل أقدم شجرة زيتون فى العالم في منطقة برما (جرش)، وتحتفظ المنطقة بأصول زراعية حيوية كثيرة ومتعددة كما يقول الدكتور «محمود الدويري» وزير الزراعة الأسبق وكذلك الوزير الأسبق (محمد العلاونة) ، مما يشكل ثروة هائلة للأردن.
سهول حوران الممتدة من عند « النعيمة « شمالاً نحو سوريا تعد أغنى منطقة لانتاج القمح وشتى أنواع الحبوب في العالم، حيث كان تطلق عليها (أهراء روما) ، وكانت تنتج سلالة من القمح تعد من أجود الأنواع والسلالات التى تحبذها الدول الصناعية للصناعات الغذائية ، وخاصة «المعكرونة « التى تصدرها الى أغلب دول العالم.
الغور الأردنى يشكل ثروة أردنية كبرى ، لأنه يتمتع بمناخ ليس له مثيل ، حيث يمكن أن يزوّد مناطق كثيرة فى العالم ، بأجود أنواع الخضار عندما يكون الثلج يغطي بقاعا كثيرة من الكرة الأرضية .
مانحن بحاجة اليه أن نرسي فلسفة أصيلة وعميقة تنظم موضوع الزراعة ، ولابد أن نرفع مستوى الاهتمام لدى الحكومة أولاً ولدى الشعب الأردني كله ثانياً بهذا الشأن، وأن تنتقل وزارة الزراعة من حقيبة ترضية وحقيبة ثانوية إلى وزارة سيادية ، لتمارس دورها السيادي فى رعاية الشأن الزراعي ، وحفظ قوت الأردنيين وتأمين غذائهم الذاتي، وحفظ الغطاء النباتي من العبث، ووقف التصحّر، والإسهام في تأمين مستقبل الأجيال.
المسأله الثانية تتعلق بالتعليم الزراعي، حيث يجب أن يكون في مرحلة مبكرة وأن يتم إنشاء المدارس الزراعية في مختلف المحافظات والألوية، وإدخال المنهاج الزراعي على المرحلة الإعدادية وأن يتم التعاون مع وزارة التربية في هذا المجال، من أجل وضع إستراتيجية مدروسة لإيجاد المدارس الإنتاجية التي تتناسب مع البيئة والواقع، وتمكن استعادة الحديقة المدرسية خاصة في الأرياف، بطريقة أكثر تنظيماً وأكثر جدوى، وأكثر تقدماً وتحضراً.
المسألة الثانية تتعلق بالمياه، إذ يجب توجيه المزارعين نحو الزراعة النّوعيّة بدل الكميّة، والاتجاه نحو المزروعات الأكثر توفيراً للماء، والأكثر ملاءمة للواقع والبيئة الأردنية، وفي هذا المجال يمكن وضع استراتيجية مائية على مستوى المملكة بالتعاون مع الجيش والقوات المسلحة وبقية الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة من أجل زيادة عدد السدود، والحفائر، ومواقع الحصاد المائي، للحفاظ على المياه المهدورة بأكبر قدر من الاستثمار العلمي، والاستثمار في الخبرة.
المسألة الرابعة: ينبغي العناية بإنشاء مؤسسات البحث العلمي في المجال الزراعي، وتعليم المزارعين تقنية تحسين البذور والحفاظ على الأصول الحيوية وتطويرها، بما يتناسب مع البيئة الأردنية، والارتفاع بمستوى الأداء الإنتاجي للفلاّح الأردني من أجل جعل الزراعة مورداً لائقاً، ويحقق مستوى دخل مرتفع وحياة كريمة لطبقة الفلاحين.
المسألة الخامسة: تتعلق بالحفاظ على الثورة الحيوانية البلدية الأكثر قدرة على التكيف مع البيئة الموجودة، والتوجه نحو تحسين متدرج ومدروس في النوعية والتهجين.
أما المسألة السادسة فتتعلق بإنشاء الصناعات الغذائية، التي تستوعب الإنتاج الزائد، وتحافظ على السعر المناسب للمزارع، مع ضرورة تزويد المزارع الأردني بالمهارات المطلوبة، والدعم المطلوب الذي يجعله قادراً على التنافس مع المزارع الآخر بكفاءة، مع ضرورة توفير الحياة الكريمة للمزارعين وعائلاتهم وابنائهم، ومساعدتهم على تسويق منتوجاتهم محلياً وخارجياً، وهذا ممكن وسهل في ظل مراقبة المستوى الزراعي لدى المزارع (الإسرائيلي) الذي تعادل إنتاجيته (25) ضعف إنتاجية المزارع الأردني.
(الدستور)