خلال الأسبوع الفائت لا اعرف لماذا خطرت على بالي أغنية المطربة سميرة توفيق التي تقول فيها "يا أبو عبد الفتاح طاح العنب طاح... نادي ع الناطور يعطينا المفتاح".
الأغنية قديمة وكنا نرددها في المدرسة عندما يصدف أن يكون اسم احد زملاء الصف عبد الفتاح، وللصدفة فإن الاسم كان يحمله خال لي في صفي، يكبرني بستة أيام، ولذلك لم أكن أشارك أولاد الصف بالأغنية في حينها حرجا من خالي، وربما الحرج الأكثر من أخوالي الأكبر، ووالدتي.
ولا أذيع سرا إن قلت لكم إنني لا اعرف لماذا كنت أتحرج من الأغنية رغم أن كلماتها دافئة، وتحمل معاني رمزية حلوة، فهي تؤشر إلى أن "بيارة العنب" التي يملكها أبو عبد الفتاح كبيرة، وأن المنادين على اسم صاحب البيارة أو البستان أشخاص لا يريدون أن يأكلوا عنبا خارج رغبة صاحب الحقل، وإنما يريدون الحصول على العنب بخاطره وتحت ناظريه، ولهذا يطلبون منه أن ينادي على الناطور، وهو الحارس، لكي يعطيهم المفتاح، وهذا يعني أنهم يريدون دخول البستان من بابه وليس من فوق السور أو خلسة دون رغبة صاحب الحقل.
بعيدا عن الأغنية وما تحمله من معاني وإيماءات، ولكن خلال الأيام الماضية عادت الأغنية لخاطري بشكل لافت، ربما ساهم في عودة الأغنية لخاطري كثرة ترديد اسم عبد الفتاح في نشرات الأخبار العربية والعالمية، وذلك مترافقا مع رؤيتي لوزير الدفاع المصري السابق المشير عبد الفتاح السيسي على شاشات التلفزيون بكامل لباسه العسكري ونياشينه وهو يعلن قراره بخوض انتخابات الرئاسة المصرية لينافس مرشحين مدنيين آخرين على الموقع، عرف منهم حتى الآن مرشح واحد قرر أن يكون فدائيا ويترشح في مواجهة السيسي، وهو حمدين صباحي.
وقت إعلان السيسي لخبر ترشحه واستقالته من موقعه كوزير دفاع، كنت أشاهد تحقيقا استقصائيا تلفزيونيا على شاشة قناة (بي بي سي عربي) حول الدور السلبي لبعض القنوات الدينية الفضائية في إثارة نزعات طائفية، وكنت حريصا على مشاهدة التحقيق للمرة الثانية لإعجابي الشديد به عندما رأيته في المرة الأولى، وتقديري للعمل الصحفي الحرفي الذي بذل.
فجأة انقطع البرنامج وانتقلت القناة فورا لبث خطاب المشير عبد الفتاح السيسي الذي أعلن فيه عزمه الترشح لموقع رئيس جمهورية مصر العربية، في الاثناء جلت على كل القنوات الفضائية المصرية والعربية فوجدتها جميعها تعلن نفس الخبر.
فكريا، وديمقراطيا، أتعاطف كثيرا مع المرشح حمدين صباحي، ومن قلبي أتمنى أن يكون رئيسا لجمهورية مصر العربية باعتباره رجلا مدنيا أولا، ولاعتبارات فكرية ثانيا، فأنا شخصيا لا أرى أن وجود عسكري على سدة رئاسة مصر سيحقق فارقا كبيرا في المرحلة المقبلة.
لا أخفيكم القول إن ما شاهدته فور إعلان المشير السيسي لترشحه من قبل الإعلام المصري والقنوات الفضائية المصرية، نزع كل ما أعجبني في تحقيق الـ"بي بي سي"، فما شاهدته في الإعلام المصري، أرجعني لعصر الستينيات والخمسينيات، فالتحضير والتأييد غير المهني يجعل السيسي جالسا في القصر الجمهوري حتى قبل إجراء الانتخابات، ويقدمه كمخلص ومنقذ للشعب المصري، وأعتقد أن في ذاك ظلما للرجل، باعتبار أن المشاكل التي تعاني منها البلاد كبيرة وقد لا يتمكن الرجل في عام أو اثنين أو حتى ثلاثة أعوام من حل بعض منها، وفيه ظلم لمصر التي خاضت تجربة ديمقراطية قل نظيرها وأنجزت تحولا غير مسبوق في المنطقة حتى تضع قدميها على بوابة الدولة المدنية.
خطرت في بالي أغنية أبو عبد الفتاح، عندما رأيت تحول كل القنوات الفضائية لنقل خطاب السيسي وهو يرتدي بذلته العسكرية ويعلن ترشحه كمدني لرئاسة مصر، ترى ماذا كان وجه الشبه بين كلمات الأغنية وما سمعت ورأيت في تلك القنوات، وهل سيتم إعطاء المفتاح لمصر لتسير للأمان نحو التقدم أو لتسير للخلف بعيدا عن الدول الحضارية.
قالوا قل لي من أصدقاؤك اقل لك من أنت... ترى من هم أصدقاء مصر حاليا من الدول الديمقراطية والحضارية التي تؤمن بحرية الشعوب وحرية الكلمة!
(الغد)