بعد لقاء الرئيس أوباما مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز، خرج تصريح للبيت الأبيض، مما جاء فيه أن الرياض وواشنطن تعملان على مكافحة الإرهاب والتطرف. فما التطرف؟ وما طبيعته وتفاسيره؟ لنستقرئ بعض الآراء لتقريب الأجوبة.
فالتطرف لُغوياً - كما نقله كتاب «التطرّف ونظرة موضوعية للجذور» - هو وصف لفعل أو سلوك أو فكر. وبرأي عدلي حسين في كتاب «الإرهاب المتأسلم» لمؤلفه رفعت السعيد أن: «التطرف في الرأي والعقيدة ليس خطراً بذاته، إلا عند اللجوء إلى العنف لتحقيق الأفكار المتطرِّفة. وعندها لن يعوز المتطرِّف إيجاد المبررات.
وبالعموم ينشأ التطرف وينتشر في ظروف غير طبيعية، تؤدي إلى اضطراب نفسي بالغ، تدفع الفرد إلى السلوك العدواني وإسباغ المشروعية عليه بالركون إلى أسباب دينية ليبرر لنفسه ولغيره تمرّده على مجتمعه». أما أن التطرف رأي وعقيدة ليس فيه خطر، فهذه لا أوافقه عليها، ولكن لنكمل بقية الآراء.
فكما أن التطرف وأسبابه ربما ترتبط بعوامل دينية واجتماعية أو كليهما، هناك فريق ربما يعلي من شأن العوامل النفسية، ويحذِّر من تسميات لا تقوم على أساس علمي وموضوعي. وإليك إضافة الدكتور فرج أحمد فرج، ومن المهم نقلها بلا تصريف أو اختصار: «يفسر العنف نفسياً بما يسمى البنيان السادومازوخي.
والسادية عشق إيذاء الغير. أما المازوخية فهي عشق إيذاء الذات. فيكون المريض عاشقاً لإيذاء الغير وإيذاء ذاته في الوقت نفسه. فيتستر المريض بستار الدين لإيهام الغير ونفسه بأنه يخوض معركة يضحي فيها لنصرة العقيدة أو الحق. ويتخذ من تجريح الآخرين - الأفراد والسلطة - وإيذائهم واستخدام العنف ضدهم، وتحمّل عنفهم ضده سبيلاً للإشباع المرضي الذي هو بحاجة إليه.
وكما أن الجماعات السياسية الراغبة بالسيطرة على الحكم أو فرض هيمنتها على الجمهور بأساليب عدوانية وغير ديموقراطية قد تتخذ الدين وعن عمد ستاراً لعدوانيتها، فإن الفعل السياسي المتستر بالدين قد يلجأ إلى العنف أيضاً تحت قناع الدين، بينما هو بذاته (أي الدين) لا ينطوي على إلزام أو توجيه يمثل هذا السلوك. وتبرز المشكلة أكثر بتحول الفكر إلى ممارسة فعلية، تسمى في التحليل النفسي «التفعيل».
وتبدأ من فرض الفكرة بالإلزام المعنوي، ثم المادي حين يصل إلى العنف البدني (الإرهاب)... والمثير أن المتطرفين يتمردون بعنف على أشكال السلطة (الأسرة والمدرسة والوظيفة والدولة والدستور والقانون)، ويقاومونها. ثم يقيمون لأنفسهم سلطة بديلة يدينون لها بطاعة عمياء، وهي سلطة أمير الجماعة».
والجزئية الأخيرة تستدعي التوقف، فتتطرف ضد المفروض عليك وترفض سلطته، غير أنك تتحول إلى سلطة أخرى، بولاء يحاكي العبودية من حيث تشعر أو لا تشعر. والغريب أن سلطة الخروج على الأديان والقوانين والأعراف تقتضي من الإنسان تضحيات لا حصر لها، ولا سقف لتنازلها، ومع ذلك يطلبها ويسعى إليها.
واستعرض الخارجين وتأمل معيشتهم البالية والمزرية وكيف يملأها الخوف وانعدام الأمن والثقة، ثم تُفاجأ كل يوم بآلاف العابرين إلى تهلكتهم، وكأن بعض الخلق خلقوا بهذه المازوخية وذلك الاستعداد النفسي لتدمير ذواتهم. فلا أعتقد أن إنساناً بفكر متزن ويملك أن يستخف بحياته وحيوات الآخرين بتفريط وتهور بلا وازع من وعي أو ضمير، ولن أقول من دين، على اعتبار أن التطرف لا دين ولا مكان ولا زمان له.
يقول الشيخ جاد الحق: «التطرف ميل عن القصد، وما يحدد القصد ويعد الميل عنه انحرافاً يكون الدين أو القانون أو العرف العام والخاص، أو أي شيء آخر يوزن به الفكر والسلوك. وكما يطلق الانحراف عُرفاً على التفريط والإهمال في امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فإنه يطلق أيضاً على الإفراط والمغالاة في الالتزام».
أما ختامي فموجّه إلى الفن الغربي التجاري الذي ازدحم بروايات وأفلام عنف ينتصر الخارج فيها بنهايتها في معظم الأحيان، عدا عن التقنيات المتطورة لألعاب العنف والترويج لها. فينشأ المرء في بيئة محرِّضة - وربما محرِّضة ومفكّكة - مع ثقافة مرئية يكافأ فيها الجانح، ثم نلوم من نلوم إن جنح. فما العمل؟ لا يحمي ويحفظ من تطرّف المجتمع والفن والتقنية أكثر من متابعة الأهل «الذكية» بحوارهم المتفهِّم، واستيعابهم وحبهم الكبير لأبنائهم بقفزات مراحلهم.
(الحياة اللندنية)