هناك الكثير من المعطيات على الساحة السورية تستدعي التوقف والتأمل جيدا بغية تغيير التكتيك والخطط، فأميركا في عهد الديمقراطيين الذين لا يحبون السياسة القتالية وكلما أشعل الجمهوريون نارا للحرب أطفأها الديمقراطيون؛ نفضت يدها من الملف السوري غير عابئة بعشرات الألوف من القتلى ومئات الألوف من المصابين وملايين المهجرين، وكذلك غزلها المكشوف مع إيران، كل ذلك ألقى بظلاله على الأزمة السورية، وتركيا إردوغان، الند الأقوى لإيران وحليفه بشار، غارقة هذه الأيام في مشاكلها السياسية، ودول الثورات العربية أذهلها ما هي فيه عن الانشغال بغيرها حتى رأينا أثر هذه المتغيرات على القمة العربية في الكويت، التي لم تمنح مقعد سوريا الشاغر لثورتها الشعبية، فظل مقعد سوريا فارغا وكأن المؤتمر يريد أن يبقي الباب مواربا لعودة النظام الدموي، الذي قتل شعبه ودمر مقدراته كأنه يقاتل أرضا محتلة لا شعبا يحكمه، هذا ناهيك عن ساحة المعركة التي تشهد في بعض الأحايين انتصارات للنظام السوري أمام المقاومة الشعبية المفككة.
هذه المعطيات الجديدة جعلت من شبه المؤكد القول بأن مرحلة من الصراع في سوريا ستستمر مدة طويلة، ما لم تحدث تحولات كبيرة ومفاجئة في ميزان القوى، وعليه فإن تكتيك «المقاومة النوعية» مطلوب على حساب تكتيك «حشد أي أحد» ضد النظام، وهو التكتيك الذي جرى في أفغانستان وأظهر فشلا وتكلفة عالية في الأرواح والممتلكات بعد التحرير تجاوزت تكلفة التحرير نفسها بأرقام متضاعفة، تكتيك «المقاومة النوعية» يعني الشروع في تصفية وتنقية جبهات تحرير سوريا من المنظمات التي ثبت ضلوعها في التطرف فكرا والعنف أسلوبا في التفاهم، والمدة التي طالت لإسقاط النظام ليست شرا محضا، بل كانت كافية لتعرية عدد منها، فلم يعد من الحذر منها ومن خطورتها حكرا على الحكومات فحسب، بل دخل على الخط عدد من المحاضن الإسلامية والدعاة المحسوبون عليها، وهذا تطور لافت لم يكن مقبولا إبان تحرير أفغانستان، بل كان الذي ينبه إليه أثناء الجهد الأفغاني يتهم بالتخذيل وطعن الجهاد في الظهر.
كل الذي يخشاه الناس من مشاركة المقاتلين العرب، علاوة على التجاوزات الدموية التي ارتكبها بعض فصائلهم على الثرى السوري مما تقشعر لهوله الأبدان، هو عودة «بعضهم» حاملا عدوى التطرف والإرهاب، وعانت بعض الدول، ومنها السعودية، دوامة عنف ممنهج كما فعل المتأثرون بفكر «القاعدة» حين عادوا إلى بلدانهم، فقد زج بالألوف من الشباب الصغار في السجون لسنوات طويلة بسببهم، ناهيك عن الأضرار الكبيرة التي أصابت الدعوة الإسلامية والعمل الخيري، وكانت سببا في تشرد ألوف اليتامى والدعاة، بسبب القلق الكبير من تسرب هذه الأموال والتبرعات إلى حاملي التاءات الثلاث (تكفير تفسيق تفجير).
ولهذا، لم يكن غريبا ولا مفاجئا أن البرود ذاته يقع هذه الأيام تجاه مشاركة المقاتلين من الدول العربية في القتال من أجل إطاحة نظام الأسد، وتناقلت بعض المصادر أنباء عن تسلل مقاتلين عرب إلى البلدات التي تسكنها الطائفة العلوية لتفجير إحدى أسواقها، انتقاما من بشار الأسد أو حتى التجاوزات المخجلة التي ارتكبها بعضهم في إدارة المناطق المحررة، والتي شكلت ضربة موجعة في ظهر المقاومة المحترمة، وأعطت دعاية سيئة استغلها نظام بشار الماكر.
فلا بد من إسناد كل عمل حكومي أو شعبي يعزل هذه الفئة، التي تضر بحركة التحرير السورية وتضر ببلدانهم التي تسللوا منها.
(الشرق الأوسط)