ديالا ، من مسرح المدرسة إلى مسرح السماء
الاب رفعت بدر
05-03-2007 02:00 AM
ديالا
من 14\6\1996 إلى 27\2\2007
من مسرح المدرسة إلى مسرح السماءكتبت في منبر عمّون هذا (في 20 شباط 2007) دعوة للدعاء من أجل " ديالا" الطفلة ذات الأحد عشر ربيعا، التي أتمّت بنجاح باهر امتحانات الفصل الدراسي الأول هذا العام. ودخلت في الفصل الثاني في امتحان أعسر، واجتازته بنجاح باهر أيضا ، وأعني به امتحان الموت ، بعد مرض لم يمهلها سوى شهر واحد. فغادرت الدنيا رافضة الدخول في اليأس.
وفي الأول من آذار ، بينما كانت الأزهار تتفتّح ، تفتحت زهرة ديالا في السماء . فحزنت مدرستها : مدرسة البطريركية اللاتينية في الوسية – الكرك . لكنّ ردود فعل المحبّين من كل أنحاء العالم والذين سمعوا عن قصّتها أو قرأوا عنها، أدخل العزاء الصادق إلى النفوس ، وجعل "ديالا " أكثر من اسم لشخص معيّن، بل أصبحت، رمزا للطفولة المعذّبة تحت وطأة المرض وشتى أنواع الآلام والأوجاع. انّها قد مست القلب والوجدان وحفرت في أعماق كل من عرفها صورة لما يجب أن يكون عليه الإنسان بشكل عام: أي بريئاً متحملاً للألم والصليب ومغادراً الدنيا بسلام عميق وهو ما يدعى بلغة اللاهوت بنعمة "الميتة الصالحة".
كراقصة باليه، خفيفة الظل ، رشيقة القوام، رحلت ديالا ...
على إيقاع أصوات المحبّين الداعين لها بالسلام،
وعلى أنغام حبّات المسبحة الورديّة: " السلام عليك يا مريم، صلي لأجلنا، الآن وفي ساعة موتنا"
مضت مسرعة إلى " بيت الآب " السماوي...
مضت بصمت ، دون ضجيج ... ودون عمر طويل
تتعرّف فيه على شيء يسمّيه سكان الأرض الضوضاء والصخب والأمواج العاتية ...
على أصابع قدميها ، مشت، ومضت بصمت ...
بعدما عرفت عن محبة الناس لها ... في كل مكان،
وعن شوق المدرسة لها، وعن تعلق أهلها بها ...
وهل أجمل من أن يغادر الإنسان دنياه ...
شاعرا بأنّه محبوب ... ؟
أليس هذا ما يطمح إليه أبناء آدم، كبارهم وصغارهم؟
رغبة الحياة والعودة إلى المدرسة لم تفارقها ... حتى يوم دخولها مدرسة السماء، لكنّها آثرت أن تمضي بهدوء ...
لأنّها تعرف أنّ القادم أجمل وأروع وأصفى وأنقى وأكثر براءة وأكثر طفولة ...
يا الله ما أسهل نوم الأطفال !
بلحظة يغفون ،
هكذا ديالا ...
ودّعناها بالصلاة ... في آخر لحظات،
بينما كانت تطلب بعض ماء ، أعطي لها كحقنة في فمها الوردي...
لم يكن للأطبّاء وقتها أيّ دور ...
فأمام شهقة الأطفال للموت ... وحينما يرفع ألأطباء أيديهم مستسلمين،
تبقى أصداء الصلاة هي الأعلى ... لكي لا يستسلم أحد من الحضور،
وبخاصّة الراحلة الصغيرة، لأحضان اليأس...
اليأس ؟ كلا ، هذا لم يحدث ... والحمد لله.
أمسكت يمينها الصغيرة ، ولففت المسبحة الوردية حولها، كي تقرع بها بعد قليل باب الملكوت المعدّ لها ...
وهمست في أذنها : لا تخافي يا ديالا ، الرب معك، ومريم العذراء معك، وصلوات المحبّين معك...
وبعيد لحظات من الرحيل الجميل والهادئ...
قال أحد الكهنة الحاضرين: رافقنا الحبيبة ، في آخر لحظاتها ... بالصلاة،
فدعونا نستقبلها في أولى لحظات السماء ، بالموقف ذاته.
فرفع والداها وأحبّتها أيديهم وقلوبهم نحو السماء:
أبانا ، اقبل ابنتنا ... لتكن مشيئتك ، كما في السماء ، كذلك على الأرض...
حبيبتنا ديالا ...
لم ننس أيامك الجميلة بيننا ... ولا زيّك المدرسي الأنيق،
ولا ثوبك الأبيض الطاهر ... وأنت على خشبة المسرح،
ولم ننس أيامك العصيبة ... والقاسية على أهلك وأحبّتك.... وكنا نريد ألا تكون أياما أخيرة...
بالأمس كنت تبتسمين، بعد تناولك لجسد الرب الفادي ، ونيلك مسحة الشفاء...
ابتسامتك العذبة ... ملائكية كانت ... واستباقية لما أنت عليه الآن ...
وكان فيها كل عناوين التحدّي... والصبر... والأمانة لهدي الروح...
ولا يشبه ابسامتك سوى صورة ليسوع معلقا على الصليب وضاحكا...
أيضحك من يعلق على الصليب...؟ أجل ، هكذا يسوع الذي آمنت به ...
وهكذا أنت من فرط إيمانك به...
هو ضحك من جلاديه ، اذ ظنوا أنّهم قضوا عليه وعلى بشارته...
وأنت تضحكين على "خبيث" أراد قتل إيمانك ورجاءك، فولى هاربا أمام تصميمك،
على تجرّع كاس الألم، بدون يأس ... ،
وتضحكين من حياة لم تكتب لك طويلة ، ولكنّها عابقة بالمقدّس...
وبالشوق إلى الخبز الباقي والجلوس الى المائدة الأبدية...
أتراك رحلت باكرا ...؟
كلا ، فالسماء، المسرح الذي ترقصين عليه اليوم،
تحب أمثالك، إذ يدخلون بدون عذاب ولا حساب، ولا سؤال أو جواب ...
تدخلينها، بكامل زينتك، وبكامل أناقتك، وبكامل عنفوانك... وطفولتك...
"ان لم تعودوا ، مثل الأطفال، لن تدخلوا ملكوت السماوات" ...
هنيئا لك ثوبك الأبيض الزاهي ...
وهنيئا لك الآن نومك الهانئ... ذي الحِمل اللطيف والنير الخفيف...
وهنيئا لك إيمانا جعلك اليوم تشاهدين من آمنت به ... وجها لوجه...
وهنيئا لك قلبا بريئا وطاهرا ، لم يعرف الغش في الحب ولا الاستئثار ...
ورجاؤنا الأخير لك اليوم ... لا تنسينا ... في صلاتك أمام عرش الخالق...
صلي من أجل مدرستك ...
صلي من أجل والديك...
صلي من أجل محبّيك...
صلي من اجل وطنك الأرضي ...
صلي من أجل القابعين في ظلمة اليأس والخطيئة ...
فهما أخطر من خبيث يأتي على الجسد ... ولا يوهن الروح...
ديالا... أحببناك أرضا ... ونحبّك سماء ...
مواطنة جديدة وجديرة في ديار النور...
أحبّائي...
يا من قدّمتم صومكم وصلاتكم من أجلي...
شكرا لكم، فقد ساعدتموني على الدخول اللطيف في عالمي الجديد...
غمرتموني بمحبّتكم وعطفكم وصلواتكم... وسؤالكم عن صحّتي...
لا تنسوني أنتم بدوركم... الآن...
أكملوا صومكم...
وواظبوا على صلاتكم من أجلي ...
ذكرتموني ... وأنا على فراش الألم والموت ...
فلا تنسوني ... بتضرّعاتكم ، لكي أستحق ما أشاهد اليوم ...
أحبّائي في الصف الخامس،
كان في داخلي رغبة أن أكمل معكم مسيرة التعليم الرائعة...
شاءت عناية الخالق أن آتي إليه ... وأترك مكاني فارغا ...
لا تحزنوا عليّ...
سلاما من السماء أنثر عليكم...
أحبّوا... وآمنوا... فبالحب والايمان تكتمل دروس الحياة ،
وما دونهما سوى لحظة في فكر الله ...
أحببتكم أرضا ... وأحبّكم الآن سماء ...
وإلى اللقاء ...
ربي والهي ، قد تم كل شيء...
بين يديك أستودع طفولتي ...
أنا أمة الرب ، ليكن لي بحسب قولك...
فاقبلني في صفوف ملائكتك...
لأسبحك ليل نهار ...
آمين
www.abouna.org