ذهب باراك أوباما إلى الرياض لتهدئة أعصابه وليسمع من السعوديين ما يطمئنه.
كتبت ما سبق رداً على عنوان في «نيويورك تايمز» يقول: أوباما يريد تهدئة السعوديين بعد افتراق طريقيهما، وعنوان في «واشنطن بوست» نقلاً عن خبر لوكالة «أسوشييتد برس» يقول: تاركاً أوروبا، أوباما يحاول طمأنة السعوديين.
على من يضحك هؤلاء الناس؟ هل يصدقون أنفسهم؟ وإذا كان رأيهم في موضوع أعرفه جيداً خاطئ فهل هم يخطئون أيضاً في المواضيع التي لا أعرفها؟
لا يهم إذا كان الكذب متعمداً أو إذا كان مجرّدَ خطأ، فالنتيجة واحدة والقارئ «الخواجا» سيصدق أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز جالس وقد تملكه القلق، وأن باراك أوباما واثق الخطوة يمشي ملكاً ويريد تبديد مخاوف الملك.
الحقيقة ببساطة أن هناك حلفاً استراتيجياً قديماً بين السعودية والولايات المتحدة، فالأولى تنتج من النفط ما تحتاجه السوق العالمية، أي أضعاف ما يحتاجه الاقتصاد السعودي، وأميركا «تحمي» السعودية. أقول «تحميها» من نفسها (أي من أميركا).
لن أعـــود إلى تاريخ أو جغرافيا، وإنما أسجل ما نذكر جميعاً وما هنـــاك مـــن معلـــومات عنه بالصوت والصورة، فما حدث هو أن جـــورج بـــوش الابـــن شنّ حروباً خاسرة، وكاد يدمّر اقتصـــــاد أميركا، وفشل فشلاً ذريعاً على كلّ صعيد، حتّى أن الأوروبيين، لا نحن، في استفتاء مشــــهور اعتبروا الـــولايات المتحــــدة وإيران وكوريا الشمالية أكبر خطر عــــلى السلام في العالم. وما حدث بعد بوش أن باراك أوباما لم ينجح (عـــندي نقطـــة ضعف تجاه نواياه، فأقول لم ينجح ولا أقول فشل).
أوباما لم ينفذ شيئاً مما وعد به خلال حملته الانتخابية أو بعدها. هو فعلاً لم يشن حروباً كسلفه، إلا أن انسحابه من العراق، والآن أفغانستان، كان استسلاماً للقدر أكثر منه سلاماً. هو تراجع عن كلّ ما ذكر في خطابه في جامعة القاهرة سنة 2009 وعن خطوطه الحمر إزاء سورية، والآن نسمعه يقول إن غزو شبه جزيرة القرم دليل على «ضعف» فلاديمير بوتين. كنت أتمنى لو أبدى الرئيس الأميركي مثل هذا «الضعف» إزاء مجرمي الحرب الإسرائيليين بدل أن يجلس وإلى جانبه الفاشستي بنيامين نتانياهو، ليتحدث عن القرم، ومعه رئيس وزراء حكومة إرهابية تحتل وتقتل وتدمر. أقبل دولة فلسطينية في 22 في المئة من أرض فلسطين التاريخية، إلا أنني أصرّ على أن إسرائيل كلها تقوم في أرض فلسطين، فخرافات التوراة ليست تاريخاً أو جغرافيا ولا أثر لممالكهم المزعومة إطلاقاً في بلادنا.
أعود إلى الولايـــات المتـــحدة والممــــلكة العربية السعودية وأسأل: ما هــي «الحماية» التي توفرها الأولى للثانية؟ إن وُجدت فهي من نوع حماية عصابة مافيا متاجر الحي، فالعصابة تأخذ خوّة لتحمي التجار منها.
البلدان مختلفان على كلّ شيء: على التعامل مع إيران، على قضية السلام، على التعامل مع مصر، على التعامل مع الثورة السورية.
الفارق بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وباراك أوباما في هذا الوضع، أن العاهل السعودي يحظى بثقة شعبية، وأنه لو رشّح نفسه للانتخابات لفاز بغالبية ساحقة، وأن الرئيس يلقى معارضة داخل الكونغرس لكل قرار داخلي أو خارجي له، فبعض المشترعين في مجلس الكونغرس ولاؤه لإسرائيل، وبعضهم على يمين اليمين ويريد أن يفشل الرئيس الأسود ولو دفع المواطن الأميركي (دافع الضرائب) الثمن.
أقول إن الولايات المتحدة تحتاج إلى المملكة العربية السعودية، وإن البعد من أميركا غنيمة ولو كان الرئيس صاحب نوايا حسنة. طريق المقبرة معبّد بالنوايا الحسنة.
(الحياة اللندنية)