مؤكد أن سيد قطب هو الأكثر حضورا وإلهاما للجماعات الإسلامية السياسية (أغلبها)، ويمثل كتابه "معالم في الطريق" الدليل الأساسي للفكر والمواقف والعمل الذي تبني عليه الجماعات برامجها وتصوراتها.
وفي كثير من الأحيان، تجد أعضاء الجماعات الإسلامية وشبابها يحملون أفكار قطب ومقولاته من دون أن يقرأوا كتبه، أو يعرفوا أنها له؛ لقد أصبحت منظومة فكرية تتلقاها الجماعات على نحو جماعي وشفاهي وخفي، بل إنها متجذرة وحاضرة في أذهان وتفكير كثير من المتدينين غير المنتظمين في جماعات. والأكثر غرابة أن نسبة كبيرة من المشتغلين بالمؤسسات الدينية الرسمية، في التعليم والأوقاف والإفتاء والقضاء، يؤمنون بأفكار المفاصلة والرفض القطعي التي أنشأها قطب، وإنك لتعجب كيف يوفقون بين ولائهم السياسي للحكومات والأنظمة، وبين أفكارهم المتشددة التي يؤمنون بها!
يعتبر د. عبدالإله بلقزيز كتاب "معالم في الطريق" بمثابة الإعلان الإسلامي المقابل للـ"منفستو" الشيوعي، أو بيان الحزب الشيوعي الذي كتبه كارل ماركس وفريدريك إنجلز العام 1848. ويقول غازي القصيبي، على لسان بطل روايته "العصفورية"، إن كتاب معالم في الطريق أهم كتاب عربي ألف في السنوات الخمسمائة الأخيرة.
كانت القضية التي أثارت فتنة وأزمة كبرى في صفوف الإخوان المسلمين، ثم امتدت إلى الساحة الإسلامية، هي ما يمكن تسميته التأسيس للمفاصلة مع المجتمعات والأنظمة السياسية القائمة، ما أنشأ حالة متماسكة من الرفض والصراع مع كل البيئة والثقافة المحيطة. وفي حالة العولمة التي مرّ بها العالم، كان هذا الفكر المنفصل عن المجتمعات والثقافات ملائما لعمل عولمي رافض للعالم!
وبالطبع، فإن الحديث عن "المعالم"، كما يسميه مستلهموه، باعتباره المؤسس للانفصال عن الأمة، لا يعني رفض أو تجاهل التراث الفكري والأدبي لسيد قطب. فلا شك في أن الرجل كان قامة فكرية وأدبية عظيمة. وربما كان من أسباب نجاح فكرته وازدهارها أنه وضعها في محتوى فكري ولغوي بالغ التأثير والعمق، يصعب مقاومته! ويحرك الشباب والجماهير والقراء من مختلف الأفكار والمشارب. هو بالتأكيد قوي العبارة والبيان، وعميق الفكرة، وذكي في الطرح والمعالجة والمحاججة!
يقول سيد إن وجود الأمة المسلمة قد انقطع من قرون كثيرة، ولا بد من إعادة وجود هذه الأمة. فالعالم اليوم يعيش كله في "جاهلية"، ونحن اليوم في جاهلية مثل التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم وتقاليدهم وعاداتهم، وثقافاتهم وفنونهم وآدابهم وشرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية ومراجع إسلامية وفلسفة إسلامية وتفكيرا إسلاميا هو كذلك من صنع الجاهلية.
ويكون الجهاد في سبيل الله لأجل إقامة "مملكة الله في الأرض" التي لا تقوم إلا بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مرد الأمر إلى الله، وفق ما قرره من شريعة مبينة. ولذلك، فإن كل قتال دفاعا عن أوطان أو صد عدوان عليها ليس جهادا، فلا جهاد إلا لأجل تحرير الإنسان برده إلى عبودية الله، والتي هي اتباع ما أمر الله. ويدخل في العبادة التشريع؛ فالذين يتبعون مشرعين من دون الله إنما يعبدونهم.
وحيثما وجد التجمع الإسلامي الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام. وإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد، فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ.
ما هو المجتمع الجاهلي؟ وما هو منهج الإسلام في مواجهته؟ يتساءل سيد قطب. ويجيب بأن المجتمع الجاهلي هو كل مجتمع غير المجتمع المسلم. وإذا أردنا التحديد الموضوعي، قلنا إنه كل مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي، وفي الشعائر التعبدية، وفي الشرائع القانونية. وبهذا التعريف الموضوعي، تدخل فعلا في إطار المجتمع الجاهلي جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض، بما في ذلك تلك المجتمعات التي "تزعم أنها مسلمة".
ويقول: "ليست وظيفة الإسلام أن يصطلح مع التصورات الجاهلية السائدة في الأرض، ولا الأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان، فالإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية، لا من ناحية التصور، ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة من هذا التصور، فإما إسلام وإما جاهلية"!
(الغد)