من الواضح تماماً انه لا يوجد هناك منتج سياسي اردني ذات نكهه مميزة على الساحة السياسية الاردنية نظراً لوجود ضعف واضح في الغالبية العظمى لادوات التسويق السياسي التي تستخدمها الجهات ذات العلاقة بالعملية السياسية الاردنية ممثلة بالاحزاب والفعاليات السياسية وقادة الرأي. لغاية هذه اللحظة لا يوجد مؤسسة سياسية غير رسمية او حزبية فعالة وقادرة على خلق حالة استقطاب سياسي ذكي لدى الشارع الاردني من خلال وجود برامج سياسية واقعية وعملية تلامس احتياجات الشارع الاردني بكافة اطيافة وقادرة على جذب اهتمامه.
ان الدليل على ذلك هو العجز شبه التام لدى العديد من المؤسسات السياسية الحزبية والفعاليات السياسية الاخرى على جذب المواطن الاردني للعمل الحزبي او على الاقل تبني برنامج سياسي ممنهج يحاكي الهمّ الوطني الاردني بعيداً عن المناكفات السياسية المتعلقة بالحكومات وسياساتها.
ويوجد مؤشر آخر على هذا العجز وهو ان المواطن الاردني ليس فقط سياسي بالفطرة بل مولع بالسياسة ولدية ارضية خصبة للانخراط في العمل السياسي المؤسسي ومع ذلك لم تستطيع جهة سياسية او حزبية جذب اهتمامة بشكل فعال مما انعكس على تواضع اعداد من يشترك في هذه الفعاليات الحزبية او السياسية. ويعود السبب في ذلك الى الفشل الذريع في استراتيجيات التسويق السياسي المستخدمة وخاصةً استراتيجات الاتصال التي تم توظيفها للاتصال مع المواطن الاردني في هذا الشأن.
طبعاً وكما هو متوقع فان الجواب الجاهز هو وجود قصور في قانون الاحزاب ووجود مؤسسات بيروقراطية داخل الدولة الاردنية تحدّ من قدرة المواطن الاردني على ممارسة السياسة او الانخراط في مؤسسات ذات طابع حزبي او سياسي. من باب الانصاف يوجد بعض المنطق بهذا الطرح ولكن السبب الجوهري يكمن في عدم وجود منتج سياسي اردني ذو نكهة مميزة وتواضع التجربة الحزبية الاردنية وعدم وجود مؤسسية في العمل الحزبي والسياسي الاردني القادرة على جذب اهتمام الشارع الاردني. ان وجود برامج سياسية وحزبية فعالة وواقعية قادرة ليس فقط على جذب اهتمام الشارع الاردني لا بل اقوى بكثير من اية قصور في قانون الاحزاب او حتى اية عراقيل تضعها بعض المؤسسات البيروقراطية داخل الدولة الاردنية كما يدعي البعض.
وهنا لا بد من الاجابة على سؤالين في غاية الاهمية الاول، ما هو الحل من اجل انتاج منتج سياسي اردني مميز بنكهة عصرية؟ والثاني، ما هي اساليب او طرق جذب اهتمام الشارع الاردني ومأسسة توجهاتة السياسية بطريقة منظمة؟ للاجابة على السؤال الاول فان هناك حاجة ماسة لمأسسة العمل السياسي الاردني سواء فيما يتعلق بالاحزاب او الفعاليات السياسية الاخرى او حتى مأسسة العشيرة كجزء من المكون السياسي الاردني وذلك من خلال اتباع المنهج العلمي السليم المبني على دراسات وابحاث تلامس نبض الشارع الاردني واحتياجات وتطلعاتة وطموحاتة وليس من خلال حكم اشخاص معينين امتهنوا العمل السياسي بالصدفة بسب وجود مصالح او تطلعات شخصية او حتى جذب الانتباه للحصول على موقع رسمي متقدم في الدولة الاردنية والشواهد على ذلك كثيرة.
أي ان الغالبية العظمى من القرارات التي تتخذها الاحزاب والفعاليات السياسية الاخرى يجب ان تكون مبنية على دراسات وابحاث علمية مستنبطة من قلب الشارع الاردني وليس ارتجالية وذلك حتى تستطيع جذب هذا الشارع والحصول على دعمة بشكل كبير. وللاجابة على السؤال الثاني فان الحل يكمن في وجود استراتيجيات عميقة للتسويق السياسي لدى الفعاليات السياسية والحزبية الاردنية بكافة مكوناتها والتي يجب ان تمّكنها من قراءة المشهد السياسي المحلي والاقليمي والدولي بوضوح. اضافة الى البعد الاستراتيجي في التسويق السياسي، فان جوهر نجاح الفعاليات السياسية والحزبية على الساحة الاردنية يكمن في وجود استراتيجات اتصال فعالة مع المواطن الاردني والتي يجب ان تكون قادرة على تقليص الفجوة الاتصالية الكبيرة الموجودة حالياً بين من يقوم على العمل الحزبي والسياسي والمواطن الاردني. لغاية الان، فان معظم اساليب التفكير الاستراتيجي والاتصالي لدى الفعاليات الحزبية والسياسية فشلت الى حد كبير في استقطاب الشارع الاردني لديها والفشل الاكبر في قراءة ما يسمى بالربيع العربي! ان اكبر مؤشر على هذا الفشل ان هناك العديد من هذه الفعاليات قد استطاعت "استثارة" الشارع الاردني لفترة زمنية مؤقتة من خلال استغلال موجة الربيع العربي او مهاجمة الحكومات وشخوصها او حتى مهاجمة رموز الدولة الاردنية وليس من خلال التمعّن الاستراتيجي والاتصالي الفعّال لما يدور في خِلد الشارع الاردني وهمومة المزمنه.
فمثلاً ان الفشل الاستراتيجي في فهم مصادر ما يسمى بالربيع العربي والتطورات الاقليمية والسيناريو العالمي في الشرق الاوسط قاد البعض الى استنتاج سطحي حول ضعف الدولة الاردنية بكل مكوناتها والبعض الاخر إنِجر وراء مهاترات معينة وسرعان ما اكتشف الجميع قوة الدولة الاردنية وقدرتها على التعامل مع الاحداث لا بل ان القدرة على قراءتها من ناحية استراتيجية كانت افضل بكثير من دول اخرى. ومع ذلك كانت الدولة الاردنية متسامحة مع ذلك من منطلق القوي وليس الضعيف. وعليه، هل نتعلم من دروس وعبر الماضي وننتهج المنهج العلمي في التسويق السياسي والاتصالي بين من يقوم على العمل السياسي والحزبي والشارع الاردني بما يحقق المصلحة الوطنية الاردنية ويدفع بنا الى مصاف الدول المتقدمة؟ اترك الاجابة على هذا التساؤل للقائمن على العمل الحزبي والسياسي والمواطن الاردني والاستفادة من تجارب الاخرين.
والله من وراء القصد