في الإدارة العامة، التقاعد والمرجعية الملتبسة!!
د. زيد نوايسة
27-03-2014 02:09 PM
الحديث الدائم عن تحديث الإدارة العامة في الأردن، واعتماد المؤسسية في كل مفاصلها، حديث جميل ومشجع وأحيانا لتكرره أصبح مملاً واستعراضياً لا تخطئه العين ولا تنكره الشواهد والممارسات الفعلية، ولكن الواقع الممارس لا يعكسه غالباًً، بل أن الشخصنه كمرجعية أساسية بل ووحيدة مسيطرة في أحيان كثيرة، وان عقلية الرجل الواحد الذي يملك وحده مفاتيح الحكمة ومعرفة قدرات مرؤوسيه وكفاءتهم هي من الأسرار التي لا يستطيع أن يدركها ألا من ساقتهم الأقدار والمصادفات والمصاهرات والجينات الوراثية لتسنم مواقع متقدمة في الإدارة العامة الأردنية وهي العنوان الأبرز هذه الأيام، لا سيما في السنوات الأخيرة، فكلما ارتفع منسوب الحديث عن الشفافية والموضوعية والمهنية ازداد الإحساس بأن ثمة ضحايا كثيرة ستدفع الثمن قريبا!!.
تاريخيا جرت العادة أن يبقى الموظف القادر على العطاء والراغب في الاستمرار إلى بلوغه سن الستين وهو للمناسبة يزيد في أوروبا ليصل حاجز السبعين عام، أما في بلادنا فمبجرد أن يؤدي صاحب المعالي أو العطوفة القسم الدستوري، وينتهي كرنفال التهاني والتبريكات، يعلن المسؤول الملهم والمكشوف الحجاب عنه بطبيعة الحال، ويعزز من هذا الأمر حملة المباخر وجوقة المنافقين الذين يتكيفون كالحرباء مع كل مرحلة وبما ينسجم مع ظروفها وعقلية القادم الجديد، بأنه سيعيد هيكلة الوزارة أو المؤسسة بما يضمن إعادة الروح للوزارة أو المؤسسة وسيعمل على ضخ دماء جديدة تؤمن بالتجديد والعمل وتنسجم مع رؤيته- الخلاقة- طبعاً، الأمر الذي يعني بكل بساطة مجزرة إدارية وإحالات على التقاعد دون أي معايير ومحددات ألا معيار ومرجعية أساسية هي تصفية الحسابات الشخصية، والاستجابة للوشاة والمنافقين الذين ينتشرون في مراحل التغيير الجديدة كالفطر!!، وطبعا وبما أننا نملك ميزة مطلقة في تغيير المواقع القيادية وبشكل أصبح يأخذ الطقس الفلكلوري المتكرر، سيغادر المسؤول الأول في اقرب محطة للتغيير وتتكرر المتوالية الإدارية في الإحالات والتصفيات الوظيفية بنفس النسق والآلية مع منقذ آخر وجديد لن تطول إقامته أيضا!!.
لن أتحدث عن التكاليف المالية التي تتكبدها صناديق التقاعد بشقيها والتي تعاني من عجز متزايد، بفعل التوسع في الإحالات على التقاعد بشكل عام وفي كل مفاصل الدولة، ولن أتحدث عن حرمان الكثير من الموظفين المتميزين الذين دفعوا ثمن تميزهم وحسن انتمائهم للوظيفة العامة وحتى على حساب حياتهم الشخصية وعلاقتهم بمحيطهم الاجتماعي من التطور الوظيفي، ولن أتحدث عن أن الإحساس بالعدالة يكاد ينعدم لدى معظم العاملين في القطاع المدني الأردني، ولاسيما بعد ازدياد ظاهرة اللجوء إلى مخزون القطاع الخاص في تعبئة الشواغر في الفئات العليا والمواقع السياسية عموماً.
ولعله من المناسب الإشارة هنا أن مما دعاني للحديث في هذا الأمر هو الاستياء العام من الكثير من الإحالات التي أصبحت تتكرر بشكل ملحوظ، يحرم فيها الموظف من فرصة الترقية التي تنعكس على تقاعده ومستقبله، والاهم أنها لا تستند في اغلبها على أسس موضوعية، بل أسس يتفرد في معرفتها المسؤول الأول في المؤسسة!!.
ختاماً، اعتقد انه من المناسب أن لاتترك عملية الإحالات على التقاعد قبل بلوغ السن القانوني، وخاصة للموظفين في المواقع المتقدمة في كل مفاصل الدولة، خاضعة للمزاج والموقف الشخصي للمسؤول المباشر، وان لا تدار الإدارة العامة في الأردن بمنطق شيخ القبيلة الذي يأمر وينهي ويمنح ويحجب، ولعل من المناسب ونحن السباقين في تأسيس وزارة متخصصة لتطوير القطاع العام على مستوى المنطقة، أن يصار إلى إنشاء مرجعية مركزية على مستوى الحكومة يناط بها دراسة الإحالات على التقاعد قبل بلوغ السن القانوني وخاصة لكبار الموظفين، يكون فيها المسؤول المباشر عضو ولا يكون صانع القرار الوحيد، وعدا ذلك يظل الحديث عن المؤسسية والشفافية مجرد فلكلور فقط!!.