رسالة الى الراحلة عائدة الدباس .. ! .. *ايمان العكور
mohammad
27-03-2014 11:49 AM
عشر سنوات مرت على رحيلك .. وما زلت معنا.
عرفتك صديقتي عايدة لسنوات طويلة .. عايشت معك لحظات الفرح والحزن والقهر وحتى الفراق.. كنت دائماً مبهورة بتلك النخلة الشامخة التي ظلت تعطي وتعطي على حساب حياتها وصحتها حتى اللحظة الاخيرة..!
كنت دائماً في سباق مع الزمن وكأنك تشعرين بان عدوك الأكبر هو الوقت وليس السرطان الذي يتربص بجسده بانتظار فرصة الانقضاض على أحلامك .. !
كل ما يتعلق بك شخصيا كان دائماً على رف الانتظار ..
في حين انك كنت تلهثين عندما يتعلق الامر بغيرك كي تجد حلا او مساعدة او حتى بسمة في وجه الأطفال الذين وهبهم الله حياة جديدة ردا على تضحياتك .
حتى عندما بدا المرض ينخر بك .. وكنت أصر عليك ان تذهبي لإجراء فحص دم روتيني للاطمئنان .. كنت تقولين لي ( انا بخير .. اوعدك ان اجري الفحوص بعد ان انهي الجدارية .. ومن ثم الاعتصام .. وبعدها حملة المليون قلم رصاص لأطفال العراق ) .. كنت تصرين ان الأولوية لغيرك ممن قست عليهم ظروف الحياة .. كنت عنوانا للتواضع رغم انك تملكين الكثير .. !
عايدة الدباس لمن لم يعرفك .. اختزلت في شخصك آلاف الرجال والنساء
كنت جيشاً لوحدك .. كنت تمثلين عشرات الآلاف من نخيل العراق الذي عشقته وناضلت من اجله حتى الرمق الأخير ..!
كنت تجمع بين نبضاتك عشرات الآلاف من الآهات الفلسطينية المشردة ..!
كنت أردنا وفلسطينا وعراقا وكل زاوية عربية منسية او مقهورة ..!
رافقتك الى بغداد في رحلة المليون لا للانكسار والعبودية .. واذكر ان اليوم المقرر لانطلاق القافلة هطلت الثلوج بغزارة على عمان وكان السماء أرادت ان تشاركك الفرحة وان تكون شاهدا على ان عايدة هي الثلج الأبيض النقي ..سهرنا عندك تلك الليلة وكنا زعلانين لان الثلج سيمنعنا من التوجه الى بغداد في الصباح ..
الا انت.. بقيت تضحكين كالحورية وتؤكدي لنا اننا سنكون في بغداد غداً ..
تلك هي عايدة الإصرار والتفاؤل رغم كل الظروف القاهرة حولها ..
نمنا عندك ليلتها وعندما أطل الصباح كانت عمان مغطاة بسجادة بيضاء تفوح منها رائحة التحدي..
وكنت قرب النافذة بانتظار الساعة التي يتقرر بها انطلاق القافلة .. قلنا لك مجنونة ، الطرق قد تكون مغلقة فلننتظر يوم او يومين..
قلت : لا يوجد وقت لاضيعه بالانتظار ، كل ما أستطيع ان اقدمه لكم هو ساعتين او ثلاثة وسيكون الانطلاق كما هو مقرر ومن لا يريد الذهاب هناك غيره ليساعد..!
وبالفعل انتظرنا حتى فتحت الطرق وانطلقنا الى مكان التجمع وكانت المفاجأة ان عدد الذين انضموا جديدا كان يفوق كثيراً عدد من تخلف عن رحلة المليون قلم رصاص..!
تلك هي عايدة.. سرقت الوقت من الجميع.. وسرقك الوقت ..!
في بغداد.. كيف أنسى يوم وصولنا
لا اكذب ان قلت لكم انها استقبلت استقبال الأبطال .. ولم لا فهي البطلة الاردنية العربية التي تحدت الحصار الجائر على ملايين الأطفال العراقيين .. وقالت لا في وجه أسياد العالم ..!
بقيت عايدة حتى عندما قال لك المرض اللعين .. انا وحدي من سيوقفك .. ظليت تشهرين أسلحتك في وجهه.. لم تستسلمي للأدوية التي يخدعون بها المرضى بل لجات الى الأدوية البديلة .. وبقيت تعملين وتعملين.. !
ما بين كل دواء ودواء .. كنت تنجزين مهمة
ما بين كل الم وألم .. كنت تنقذين روحا
وما بين كل نفس ونفس كنت تكتبين أسطورة تضحية ..!
كنت تقولين لي دوما .. أتمنى ان لا أموت قبل ان اكمل مهمتي في الحياة ..!
لا يزال العديد من الأطفال ينتظرون ان أمد يدي لهم ..!
وعلى ذكر الأطفال الذين بكوا عايدة قبل الكبار..كيف لا وقد كنت اما لهم جميعا.. تستقبلينهم في بيتك الدافئ وتزرعين التفاؤل في قلوبهم .
لا أنسى ذلك الطفل ، لا اذكر اسمه الان ، والذي اصبح صديق أيامك الاخيرة واليد اليمنى لك ، بعد ان كان يقف على الإشارات الضوئية يبيع العلكة .
حولته يا عايدة الى جبل من الحياة ، الى لوحة تحد وصمود بعد ان كان تائها في الطرقات.
وغيره وغيره ..
جدارية فلسطين التي نسجتها بالحجارة لتؤكد حق العودة, لا تزال اكبر من ومضة برق عابرة
جداً ريتك كانت وستبقى الرمز في استعادة المكان والدم والشهداء في النسيج والحجر والفضة.
غادرت عايدة مبكرا ..
ولكن بعد أن تركت لنا نموذجاً استثنائياً سيزهر في كل المواسم.
وأقول ربما احبك الله ولم يرد ان يعذبك لتشهدي ما وصلت اليه الأمة العربية من انكسار وانهزام ..لم تكوني لتحتملي السقوط،فرحلت وانت تحلمين ان القادم اجمل.. وان اجنحة ستنبت في كل زاوية من زوايا الوطن العربي ليطير أبناءها نحو المجد والكرامة التي قدمت روحك هدية لهما ..!
تمنيت ان اقول لكارتاحي عايدة.. وعيشي حلمك..!
ولكن للأسف فبعد مرور عشر سنوات ونصف على تحليقك في السماء، للأسف لم تنبت تلك الأجنحة التي حلمت بها لم يلملم العرب انكساراتهم بل زاد سقوطهم فلسطين أصبحت حارات معزولة يفصلها جدار إسمنتي يسرق الفرحة من الأخ وأخته والأب وابنه والعراق الذي عاش في شريانك .. نحروا نخيله .. ولوثوا مياهه.. وسرقوا مستقبله .. وزرعوا السم على ضفاف دجلة والفرات بدلا من أكشاك المسقوف الذي كنت تحبينه ..!
وسوريا ،، اغتصبوها ونحروا من كان يحلم بالحرية ،، أقتلعوا الياسمين الدمشقي وزرعوا الدم والخوف مكانها.
صلبوا أطفالها .. وقطعوا حناجر من غنى للمستقبل ومن قال لا للعبودية ..!
ومصر ام الدنيا.. أصبحت غير دنيا.
ابنائها نصبوا منصات القتل لبعضهم، وتغنوا كل على ليلاه ، حتى انطفئ النيل .
لن أطيل عليك صديقتي ..
سأترك فسحة أمل صغيرة. .. قد يخرج منها يوما ما ذلك المارد الذي يعيد الى العرب كرامتهم المفقودة .
ويعيد الى قلبك الكبير موسيقاه الأسطورية .
فقط كي تفرحي وتقولي
الحمدالله .. لم يذهب تعبنا سدى ..!!!!