الاعتداء على الأطباء في المستشفيات اثار شهية كثيرين بحثا عن حلول لهذه المشكلة، واحد الاقتراحات التي قدمها نائب معروف، كان وضع «مفرزة درك» في كل مستشفى حماية للأطباء وكوادر الصحة من ممرضين وغيرهم.
الاقتراح يعبِّر عن نخوة، لكنه لا يعبر عن عبقرية، ويعبر عن افلاس في الحلول على غير مستوى، حيث يصبح الحل الأمني هو المتاح والوحيد، وكأن جهاز الدرك تنقصه مهمات جديدة من هذا القبيل تزيده تعبا واستنزافا.
الاقتراح لافت للانتباه، وهو ليس جديدا، وإن كان لا يختلف عن عشرات الاقتراحات السابقة المتعلقة بمواقع اخرى، وقد سمعنا سابقا عن اقتراح بوضع مفرزة درك في كل جامعة منعا للعنف الجامعي، ومفرزة درك في كل حي، من اجل منع العنف الاجتماعي بين الاقارب والجيران، ومفرزة درك عند كل مسيرة ومظاهرة لمنع الفوضى، ومفرزة درك بعد كل اختفاء لمواطن او حادث سير، منعا لغضب الجماهير، ومفرزة درك لحماية كل مركز امني او محافظة من الغضبات الشعبية التي لا ترحم، ومفرزة درك بعد كل مباراة وقبلها.
بهذه الطريقة يصبح لازما زيادة عدد المنتسبين الى جهاز الدرك، اضعاف ما هو عليه، وتخصيص موازنة مالية بلا سقف لتغطية كل هذه المواجهات.
هذه ليست حلول منطقية، و تشير فعليا الى أننا شعب لا نحسب حسابا إلا للقمع والعصا، وأننا بحاجة الى جهاز متكامل للفصل بيننا، ولربما تخرج علينا عبقريات لتقترح انشاء جديد تحت مسمى «هيئة التحجيز القومي» لمواجهة كل هذا العنف.
بدلا من هذا لا بد من معالجة المشاكل من جذورها، وأول الحلول مراجعة القوانين التي تتساهل في حالات كثيرة، وتساوي بين الاعتداءات والتجاوزات.
ثانيها التخلي عن ثقافة «بوس اللحى» بين الناس، لأننا في حالات كثيرة غضبنا لهذا او ذاك، فكانت النتيجة ان سامح بحقه متكرما علينا وعلى أهل المعتدي، فاتحا الباب لغيره لتكرار الاعتداءات، لمَ لا ، ورأسمال القصة فنجان قهوة، ودعاء بأن يخزي الله الشيطان؟!
ثم ان هذا الملف تتوجب معالجته اجتماعيا، وسياسيا، فهو يعبر عن الذات المتضخمة التي تسمح لانسان بالاعتداء على آخر، دون ان يحسب حسابا لأحد، ويعبر ايضا عن انحدار اجتماعي، ومحنة اقتصادية تتجلى بهذه الخشونة اليومية.
لا يمكن هنا تبرير الاعتداءات بوجود تأخير او تكاسل في الخدمات الطبية، ولا يخلو الأمر من اخطاء طبية او أخطاء في التشخيص في حالات اخرى، إلاَّ أن هذا كله تقرره جهات مختصة، وليس أحد اقارب المريض ممن يعتقد ان الطبيب قد فرط في واجباته، وهذا أحد أوجه المشكلة، اي ادِّعاء الجاهل ان الطبيب اخطأ، ولا بد من معاقبته، فنصبح أمام حالة من الجهل المركب، تضخم الذات، وتحديد شكل العقوبة.
علينا أن نعترف أن بلدا فيه اكثر من سبعة عشر مليون قطعة سلاح، ويتم اطلاق النار فيه عند الطهور، و النجاح والرسوب، لا يمكن وقف العنف فيه بمفارز درك، إذ قد يصبح ذات الدرك في هذه الحالة بحاجة الى مفارز لحمايته منا، ولا بد من حل عميق وجذري يعترف بأسس المشكلة، لا مظهرها، ويضع حدا لكل هذه الفوضى الخلاّقة .
(الدستور)