الشعب والقمّة: "الكلاسيكو المثير"!
د. محمد أبو رمان
25-03-2014 05:32 AM
أبدع زميلنا العزيز رسام الكاريكاتير ناصر الجعفري، أمس، عندما قارن، بذكاء، بين اهتمام الأردنيين بـ"قمّة" برشلونة وريال مدريد، واهتمامهم بأخبار "القمّة" العربية في الكويت.
وربما الالتقاط الجميل تمثّل في تصوير أحد المشجّعين يجلس على شاشة تلفزيون قديمة، تتحدث عن "القمة العربية" بعكس الشاشة، فيما يشاهِد مع آخرين، عبر شاشةٍ حديثةٍ معلّقة على الحائط، المباراة الإسبانية. وهو رسم يعكس، بالفعل، الأجواء في عمّان ليلة أول من أمس في المقاهي والمنازل، والتي طغت صورة المباراة عليها، بينما القمّة الرسمية العربية لا تحظى بأيّ اهتمام شعبي ملحوظ!
وبمناسبة الحديث عن مباراة مدريد وبرشلونة، فمن الضروري أن أرسل هذا التحذير الخطير إلى أصدقائنا مشجّعي البرشا، الذين أخذوا يحتفلون ويرفعون أصابعهم الأربعة (بالإشارة إلى الأهداف الأربعة في المباراة). فهذه هي نفسها شارة "رابعة العدوية" التي تمّ اعتقال أربعة شباب بسببها، وما يزالون قيد المحاكمة؛ فلا تتحمّسوا كثيراً، كي لا تجدوا أنفسكم أمام القضاء قريباً!
***
طالما خرجنا إلى سياق "الكلاسيكو"، وبخصوص العقوبات التي سجّلها اتحاد الكرة الأردني على فريقي الفيصلي والوحدات، بعد مباراة الإياب الأخيرة، بسبب أحداث الشغب وتخليع المقاعد والصراع في المنصّة الرئيسة؛ فيؤسفني أن أخبركم أنّني فقدت عقلي قبل أسابيع وشاهدت مباراة الفريقين في "ستاد عمّان"، حيث كدت أُضرب، لأنني لم أتفاعل بالحماس المطلوب مع جمهور أحد الفريقين!
حتى لا تسيئوا الظن بي، حضرت المباراة من باب "الفضول المعرفي". فبعد أن انتهيت من كتابي الجديد عن السلفيين، وفيه جزء يتعلّق بسيسيولوجيا الهوية، أردت (مع صديقي حسن أبو هنية) أن أقارب الأمر مع حالة جمهور الملاعب!
لست متفاجئاً من درجة الحماس والتعصّب لدى الجماهير، ولا ارتباط ذلك بقدرٍ ما مع سؤال الهوية، فهي ليست حالة أردنية، إذ حتى في أوروبا ودول العالم الأخرى، أصبحت الكرة مرتبطة بالمشاعر القومية والتعصب وحالة من الهوس العاطفي. لكن مستوى الشتائم العنصرية والبذيئة، في بعض الأحيان، والشغب، هو الذي يتسم به جمهور الفريقين الأردنيين.
بصراحة، ليس ذلك جوهر ما أزعجني في تلك "الأمسية"، بل لأنّنا لم نشاهد مباراة فيها أي لمحات جمالية حقيقية، أي مستوى ممتع، ولو حتى ما قبل الابتدائي. لا يوجد ما يستحق المشاهدة والاهتمام إلاّ "حالة العصاب" لدى الجماهير، التي تريد أن تفرّغ احتقانها وانفعالاتها السياسية والمجتمعية وأزمة الهوية لديها على المدرّجات، فيما بينها، أو حتى في خلع المقعد من مكانه!
***
للأسف، بعد ثلاثة أعوام على بدايات الثورات العربية الجديدة، نجد أنّ الجمهور الذي دخل إلى أرضية الملعب، في العديد من الدول، وأراد تغيير مسار المباراة السياسية، عاد إلى المدرجّات ثانيةً، بعد أن نجح الحكّام واللاعبون القدامى في إخراجهم وإفشال حركتهم.
فقد الجمهور شهيته مرّة أخرى، لمشاهدة هذا النوع من المباريات (السياسية)؛ إذ أصبحت مملّة مكرّرة، بلا أي قيمة أو متعة مضافة، بل انقلبت إلى حالة دموية وهستيرية وإقصائية، فعاد إلى المدرجات، ولو عاد إليه الأمر فلربما فضّل هجرة المدرجات نفسها.
ليس غريباً، إذن، أن يفضّل الجمهور مشاهدة قمم القدم على القمم السياسية؛ فالكرة ما تزال ممتعة مشوّقة، فيها منافسة حقيقية عادلة، في كثير من الأحيان. بينما لم تسلم "قمم القدم" المحلية مما أصاب القمم السياسية، فباتت مضيعة للوقت، بلا أي جمال، باهتة، كما هي حال السياسة، بانتظار "كأس العالم"!
الغد