هل وصلت السذاجة بوزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى حدِّ إرسال إستجداء للروس يتمنى فيه ألاَّ تؤثر «القرم» على التعاون مع روسيا في شأن الكيمياوي السوري وكأن هذا الرجل الذي يقود السياسة الخارجية لأهم وأكبر دولة في العالم لا يدرك أن تلاعب فلاديمير بويتن بخرائط الدول الأوروبية وإحتلال جزءٍ مهم من أوكرانيا والتخطيط لإحتلال مناطق أكثر من هذه الدولة والتلويح بإحتلال مولدافيا قد وضع العالم أمام منعطف خطير كان قد حصل ما يشبهه عشية الحرب العالمية الثانية.
إن هذا الكلام «المسطَّح» الذي قاله وزير خارجية الولايات المتحدة يُظْهِر كمْ أن أميركا لا تزال لم تدرك ما يقوم به فلاديمير بوتين ولا تزال تعاني من حالة الوهن التي أصيبت بها واشنطن منذ مجيء باراك أوباما وإدارته إلى البيت الأبيض وحيث بدأت كل هذه التراجعات التي ينطبق عليها أن الإختلاف بين الحسابات السياسية والحسابات الرقمية الرياضية هي أن خطوة واحدة إلى الخلف في المواقف السياسية قد تؤدي وهي بالضرورة ستؤدي إلى تراجع بمقدار ألف خطوة.
ربما أن كيري لم يدرك حتى الآن ،رغم كل هذا الذي يقوم به فلاديمير بوتين، أنَّ الجريمة السياسية التي ارتكبتها إدارة أوباما في سوريا تحديداً هي التي جعلت الرئيس الروسي يتمادى حتى هذه الحدود الخطيرة التي قد تُقْحِم العالم إنْ على المدى القريب وإن على المدى الأبعد ليس في حرب باردة فقط وإنما في حرب ساخنة والواضح هنا ان موسكو كما يبدو ذاهبة إلى إستعادة نفوذ الإتحاد السوفياتي السابق في أوروبا الشرقية وانها قد نصَّبت نفسها بالفعل على أنها المسؤولة عن «السَّلاف» في هذه المنطقة الخطيرة والحساسة والتي كانت قد انطلقت منها الحرب العالمية الأولى.. وأيضاً الحرب العالمية الثانية.
ولذلك وبدل كل هذا الإستجداء المعيب فإن المفترض أنْ تستغل الولايات المتحدة مستجدات ما بعد إحتلال شبه جزيرة القرم وأن تعود للإنذار الذي كانت وجهته لبشار الأسد قبل التدخل الروسي والتوصل إلى إتفاقية نزع الأسلحة الكيمياوية التي من الواضح أن الرئيس السوري قد تيقن من عدم جدية الأميركيين وأن تهديداتهم هي جعجعة بلا طحن فركل هذه الإتفاقية بحذائه ولجأ إلى مماطلاته المعروفة إنتظاراً لتوجيه فلاديمير بوتين الضربة القاضية لأميركا التي ،كما يبدو، أنها لا تزال تتصرف وكأنه لا علاقة لها بكل هذه المستجدات الخطيرة بالفعل.
والمشكلة أن أميركا مثلها مثل بعض الدول العربية ومثل بعض الأوروبيين مستمرة بالحديث عن وجودٍ فاعل لمنظمات العنف والإرهاب في المعارضة وكل هذا وأوباما يعرف وكذلك وزير خارجيته ووزير دفاعه وكل الأجهزة الإستخبارية الأميركية التي لها وجود واضح على الأراضي السورية إن هذه كذبه إخترعها النظام وأن «داعش» صناعة مخابرات بشار الأسد ونظام الولي الفقيه في طهران وأن الإرهاب الأكثر خطورة هو إرهاب حزب الله وإرهاب التنظيمات التي صدَّرها الطائفيون في العراق إلى سوريا والتي تشير المعلومات المؤكدة أن أعدادها قد تجاوزت الأربع عشرة منظمة كلها تحمل عناوين مذهبية.
إنه بدل هذا الإستجداء الذي لجأ إليه كيري وهو إستجداء معيب بالنسبة لوزير خارجية أكبر وأهم دولة في العالم فإن المفترض أن يمسك وزير خارجية الولايات المتحدة بالعصا من طرفها وأن يهزها في وجه بشار الأسد وأن يطالبه ويطالب إيران والذين يقومون بتصدير كل هذه المجموعات الطائفية من العراق بوضع حدٍّ لكل هذه القوات الأجنبية التي تشارك في ذبح الشعب السوري وتهديم المدن السورية وإن المفترض أيضاً أن ينتهي الحظر المفروض على وصول أسلحة نوعية إلى الجيش الحر الذي بات يحقق تقدماً مؤثراً في ميادين القتال لا يمكن أن ينكره إلاَّ الذين يخيطون بمسلة هذا النظام الذي أوصل سوريا إلى كل هذه المآسي وكل هذا الدمار الذي لا مثيل له.
الرأي