هناك ثلاثة احتمالات أمام النظام العربي فيما يتعلق باستحقاق القمة الدورية المقبلة: الانعقاد في دولة الدور(دمشق) أو الانعقاد في دولة المقر( مصر) أو التأجيل إذا تعذر الانعقاد، ولكل احتمال عناصر تزكيه، لكن الثابت الوحيد أن العرب ما زالوا ينظرون إلى أن انعقاد القمم بحد ذاته كإنجاز بصرف النظر عن مضامين البيان الختامي.وهنا يبرز سؤال من يضغط على من في أمر تزكية إحدى تلك الخيارات؟ لقد أرسلت كل من الرياض والقاهرة رسالة واحدة إلى القيادة السورية مفادها أن على دمشق التقدم بخطوة ايجابية لجهة تسهيل مهمة انتخاب رئيس جديد للبنان كثمن مقبول لإنجاح القمة، في حين سارعت دمشق إلى إرسال رقاع الدعوة للحؤول دون التأجيل أو النقل في ظل تصعيد مبالغ فيه من قبل قوى الأكثرية لدفع الاعتدال العربي إلى ممارسة المزيد من الضغط على دمشق، وكأن المشهد يختزل حال العض المتبادل على الأصابع.
في مطلق الأحوال فان الحوار العربي العربي حول جدول أعمال القمة المرتقبة قد فتح أمام الحوار العلني قبل موعد الانعقاد سواء في الملف اللبناني أو الفلسطيني، والحوار هذا يأخذ اكثر من شكل وأكثر من لغة.
لقد أفرغت الأحداث المتتالية على الساحتين الفلسطينية واللبنانية الهواء من أشرعة قوى الاعتدال العربي ، وما كانت تتأمله عواصم هذا الفريق من إنجاز للاستحقاق الرئاسي اللبناني ومواصلة المفاوضات السلمية على المسار الفلسطيني قبل انعقاد القمة ذهب أدراج الرياح فمخرجات انابولس والمفاوضات اللاحقة كانت مخيبة للآمال وتؤكد استحالة التوصل إلى حلول في الأفق المنظور كما أن الحل في لبنان أضحى بعيد المنال بعد حفلة السباب والسباب المقابل بين الفريقين المتخاصمين، الأمر الذي يجعل الفريق العربي المعتدل يذهب إلى القمة بلا تصور واضح المعالم حيال الخطوة المقبلة.
كان المؤمل أن يتضمن البيان الختامي للقمة بندا يحث على مواصلة المفاوضات الثنائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لو أنها استمرت بذات الزخم ، لكن المحصلة الآن أصبحت تقتصر على إدانة استمرار إسرائيل في ارتكاب المجازر في القطاع.
وكان المؤمل التأكيد على تشجيع الفرقاء اللبنانيين لإنجاز تسوية داخلية بعد أن يكون قد جرى التوصل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة موسعة بحيث يتم استثمار زخم القمة للإسراع في استكمال الحوار الوطني الذي توقف قبيل حرب تموز 2006، لكن التسوية الداخلية في لبنان أضحت بعيدة المنال وقد تفجر الأزمة الراهنة القمة برمتها.
لا انابولس فتح ثغرة في جدار الاستعصاء السلمي ولا مبادرة الجامعة العربية بنت جسرا بين الضاحية الجنوبية وقلب بيروت وهذا المشهد القاتم من شأنه تهديد الاستقرار الإقليمي ويزكي طروحات القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الساحة العربية.
لا تستطيع دمشق الابتعاد خطوة عن حليفتها الإقليمية إذا لم تقم شقيقاتها بخطوة مماثلة على الجهة المقابلة فالمسافة بين دمشق وطهران تتسع وتضيق تبعا لمدى اتساع أو ضيق المسافة بين عواصم الاعتدال العربي وحليفاته الدوليات.
لا ينبغي أن تتحول قاعة القمة العربية إلى ساحة لاصطراع المشاريع الإقليمية والدولية فان سمح القادة العرب بذلك فإنهم يؤسسون لشرعية الاستلاب الإقليمي والدولي وهو أمر يشبه الاستقالة التاريخية.
samizobaidi@gmail.com