بين ثلجتين ما الذي تغير
أ.د. هيثم العقيلي المقابلة
24-03-2014 06:38 PM
تداعت الى نفسي بعض الخواطر خلال العاصفه الثلجيه و احببت كتابتها في حينها و لكن لتداخل المشهد بين المتذمر و المتملق فضلت تاخيرها. لقد شهدت كما الكثيرين عاصفتين ثلجتين الاولى بدايه التسعينات و الثانيه هي الاخيره. في كلتيهما اغلقت الطرق و حدث انقطاعات كهربائيه و لكن ما دعاني للكتابه اختلاف المشهد.
في الاولى كنت ارى الفرح في عيون الجميع اطفالا و شيبا و شباب و فيها كنت ارى الاحاديث التي تنم عن القناعه و الحمد و الرضا و كانت الجمله الدارجه (الحمدلله خير ما شاء الله خير), في الاولى رايت كيف خرج الجميع و خصوصا كبار العمر يفتحون بمعاولهم الطرق امام بيوتهم و بيوت الجيران و رايت كيف يكون العمل التطوعي الذاتي الجماعي (رحم الله كبارنا فكم تعلمنا منهم و كم ضاع علينا الكثير مما كان ممكن تعلمه).
في الاولى كان انقطاع بث التلفاز و انقطاع الكهرباء فرصه للسهرات الطويله التي جمعت الاقارب و الجيران و ما تخللها من حديث عن تاريخ القريه و عن سير الاوليين و كنت و جيلي الذي ادمن التلفاز كاني اسمعه تلك الحكايات لاول مره. و بعد ايام وصلت بعض اليات الجيش و الاشغال لتفتح الطرق و كان وصلوهم احتفاليا فكل اهل القريه يتسابقون لتكريمهم و دعوتهم.
اما في الثانيه فقد رايت و عايشت و شاركت انا نفسي حتى لا اظلم غيري كيف ضاع الحمد و انتشر التذمر و كيف جلسنا جميعا خلف الكمبيوتر و وسائل التواصل الاجتماعي نشكو اغلاق المداخل امام بيوتنا. رايت كيف هي الغربه في المكان و هنا لا اقصد الاسره الصغيره و لكن السهرات و اللمات الكبيره. اكتشفت اني كغيري لا املك معول (او كريك) للطوارئ و كم اصبحنا جميعا ضعفاء في مواجهت الطوارئ. اكتشفت كم تباعدت المسافات الاجتماعيه بين الجيران و كم ضعفت هممنا. بعض العمارات يسكنها على الاقل ثلاثون من فئة الشباب و الكل جالس خلف حاسوبه يتذمر ان الطريق الفرعيه للعماره لم تفتح.
ليس الهدف من المقال ايجاد اعذار للمقصرين من الجهات الرسميه و التي تثبت لنا دوما ان جيشنا و دفاعه المدني هم من يعتمد عليهم في الازمات. هؤلاء الذين يستكثر عليهم البعض مقعد لابنائهم في جامعه او علاوه بضعة دنانير و نتذكرهم في المديح فقط عندما يحدق بنا خطر من الخارج او الداخل.
لقد درست و تعلمت و حصلت على اعلى الشهادات و لكن حصل لي قناعه بعد كل هذه السنين ان هنالك جزء كبير من الحياه تتعلمه من المجتمع و المجالس و سهرات الكبار و الذين قد لا يكون اغلبهم دخل مدرسه. تلك المجالس التي كانت مدرسه بحد ذاتها, ففيها لقاء الاجيال و فيها نتعلم احترام الكبير و فيها تشحذ الهمم و فيها تكبر الرجوله و فيها نتعلم التواصل مع الاخر و قبول الاخر و فيها التعليم و التربيه و التهذيب و فيها نتعلم النخوه و فيها تعلو مكارم الاخلاق و فيها يلام الخارجين عن الادب و الاخلاق الحميده و فيها نتعلم الانتماء للارض و للوطن.
رحم الله اجدادنا و اطال الله عمر كبارنا فلقد عاشوا الصعوبات و ضنك العيش و لكنهم كانوا فرحين بكل خير مهما قل حامدين شاكرين دوما يستشعرون طعم الحياه على بساطتها و ينعمون ببركتها. بعضهم لم يشهد من الانحراف الا غمزات سميره توفيق او دلع صباح و قد يكون ظن انه انحرف او انه بذلك فعل الموبقات. فكيف لو خرج احدهم ليسمع عن عبدة الشيطان و وقاحة المثليين و صلف المطبعين مع المحتل الصهيوني.
في النهايه اقول ان اهم درس تعلمناه من العاصفه الثلجيه حاجتنا للعلاقات الاجتماعيه و بناء الجسور مع الاقارب و الجيران و عسى ان تعود تلك اللمات بما فيها من سعلات الهيشي و الاحاديث البسيطه و صفاء النفوس. ادام الله الاردن عزيزه مستقره في ظل قيادة هاشميه و محميه بسياج اجهزتها الامنيه و جيشها العربي وادعه في قلوب المخلصين من ابنائها من شتى اصولهم و منابتهم.
د. هيثم العقيلي المقابله
ناشط سياسي و اجتماعي/جرش