عفوا يا فضيلة القاضي .. * المحامية مرام الذنيبات
24-03-2014 02:57 AM
قبل ايام خلت صدر قرار عن محكمة الاستئناف الشرعية مؤداه قبول الطعن المقدم من أحد طرفي احدى القضايا الشرعية وموضوعها التفريق للشقاق والنزاع وفسخ القرار لدفع شكلي مفاده سفور احدى الشاهدات (عدم تغطية الرأس) .
حيث استند القاضي الى الحكم بعدم عدالة الشاهدة لعلة السفور مستندا الى بعض الاراء الفقهية التي صدرت في ازمنة مختلفة واماكن مختلفة، ومع انني انتقد هذا الاستناد لا لانني احلل السفور بل لانني اجد ان هذا الاجتهاد ينقصه النظرة المدققة في الواقع المعاش والذي رغم انني لا اقره الا انني لايمكن ان انسى ضرورة النظر الية والتدقيق فيه تحقيقا للعدالة باكتمال عناصر الاجتهاد. مع كل ذلك فانني لا يمكن ان انسى ايضا ان انتقد تلك الضجة والضوضاء التي اثيرت حول قرار الحكم .
لست في موقع التبريرللمجتهد لكنني لا يمكن لي الا ان اتذكر ان حرص المجتهد على دوام العلاقة الزوجية بما يرتبط بها من استقرار الاسرة هو الذي يختفي خلف الاجتهاد الذي توصل اليه رغم أنه لم يأخذ تغير الواقع زمانا ومكانا بعين الاعتبار في اجتهاده.
في الوقت الذي ننتقد فيه اي اجتهاد خاطيء فاننا نود ان نلفت نظر القاريء الطبيعي لضرورة الانتباه الى ما خلف الضوضاء الكبيرة التي اثيرت من قبل الكثيرات والكثيرين تعقيبا على هذا الاجتهاد القضائي المتعلق بحالة واحدة .
ان حجم هذه الضوضاء الكبير قد يوحي بان القضاء الشرعي مليء بالتجاوزات والاخطاء بحق المرأة وكأن القضاء الشرعي يستثني الرجال من ضرورة تحقيق العدالة فيهم .وكأن الاحكام القضائية الشرعية مليئة بظلم المرأة والتعدي على حقوقها ناسين او متناسين تلك الهجمة الثقافية التي تشن على مجتمعنا والتي تهدف الى هدم آصرة من اهم الاواصرالاجتماعية في مجتمعنا الا وهي آصرة الاسرة كأول لبنة من لبنات بناءنا الاجتماعي الذي نختص ونمتاز به عن باقي المجتمعات وكأن أهم شرط لاجتماعيتنا هو تقمص مجتمعات اخرى لا تشبهنا في بنائها الاجتماعي وذلك اندلاقا منا يرفده الاعجاب بقوة القوي ماديا لا ثقافيا ولا اجتماعيا .
لابد لي في هذا الصدد ان اذكر بضرورة التنبه الى الوسائل الحديثة في الاختراق الاجتماعي الذي يدفعه الغزو الثقافي الهادف الى اختلاعنا من جذورنا وابقائنا كرة تعبث بها اقدام اللاعبين.
لا اظن ان الجهات التي اثارت الضجة على هذا الاجتهاد الفردي تدرك انها تتحول الى اذرع مضافة الى الذراع الخارجية الهادفة الى تقويض بناءنا الاجتماعي والثقافي والذي لا علاقة له بما نحن عليه من ضعف وتخلف بمقدار ما للظروف التاريخية التي مررنا بها من علاقة مباشرة في صناعة هذا التخلف وذلك الضعف ولعل احد مظاهر هذا التخلف هو تلك النظرة المتخلفة الى شريعتنا السمحاء التي ينبغي ان نتقدم اليها في الفهم لا ان نترك تخلفنا في النظرة هو الذي يحكم نظرتنا اليها .
إن علاقة الرجل والمرأة علاقة تفاهم وتكامل وليس علاقة تناقض وصراع ولا يمكن النظر الى المساواة بمعنى التطابق . فالتطابق بين رجلين مستحيل فكيف بالتطابق بين المرأة و الرجل . إن العدالة هي الهدف وليس المفهوم المخطوء للمساواة بمعنى التطابق هو ما يجب الاحتكام اليه لان الاحتكام اليه ينافي ابجديات الطبيعة الانسانية ونسيان قواعدها ذهابا الى شواذ القاعدة حيث ان لشواذ القاعدة أحكام تنطبق عليها ولا يمكن اعطاء شواذ القاعدة صفة القاعدة .
مراعاة خصوصية المجتمعات التي تختلف عن بعضها البعض ضرورة لسير هذه المجتمعات وضمان لاستمرارها واستقرارها ولا يمكن نسخ مجتمع عن آخر ابدا الا في حالات الاستسلام الى التبعية المطلقة التي يعززها الاحساس بالنقص إزاء المجتمعات الاخرى .
إن مرد هذا النقص لا يمكن أن ينسب الى المباديء الاسلامية السامية التي بنت الحضارة العربية الاسلامية والتي اصبح الكثيرون منا يجهلونها تأثرا باللحظة الراهنة .
انني ادعو الجميع وبكل اخلاص وانتماء الى ضرورة أن لا نكون اسرى للحظات ضعفنا ناسين ما كنا عليه من قوة وهادمين لمستقبل نأمل في أن نصل اليه عبر التمسك بثقافة بنت فيما مضى وستبني فيما بعد .