الكرامة .. معركة لا تنتهي
23-03-2014 12:18 PM
ستة وأربعون عاما مضت على المعركة التي أعادت للعرب ثقتهم بأنهم لا زالوا يستطيعون تحقيق النصر أمام أعدائهم ، ورفعت الروح المعنوية للشعوب قبل الجيوش، ففهم من فهم ، وأصمّ أذنيه من لم يرد ، إنها معركة الكرامة ، المعركة التي خاضها الجيش الأردني لوحده من بين الجيوش العربية أمام جيش متطور عن زمنه ، خمسة عشر الف جندي إسرائيلي يمتلكون القوة العسكرية الفائقة والغطاء الجوي الكاسح ، وتدفعهم ثقة فائقة بأن المعركة سهلة جداً ، بعد انتصاراته في المعارك السابقة ، ونهوض قوته ، فاستطاع جيشنا أن يدحر الجيش الذي لا يقهر ، وأن يحمي مقاتلي الثورة الفلسطينية الذين تعرضت قواعدهم للإستهداف ، وخاضوا معركة المواجهة كرجل لرجل ، بالسلاح الأبيض سطر الأبطال سفر الخلود على صخرة التاريخ العسكري ، فهزم الجيش القوي وطلب الهدنة .
تلك سيرة تحكى دوما ، ولكن الكرامة كمعركة للأردنيين وجيشهم هي حجر أساس انطلق منه جيشنا الباسل كواحد من أفضل جيوش المنطقة ،وبقي الأردن الوطن واحدا وحيداً بين بلدان العرب ، لم يقل أفٍّ للأشقاء الذين لجأوا اليه هربا من الأعداء أو ظلم ذوي القربى !
المعركة تلك كانت ولا تزال إحدى الدلائل القاطعة بأن الشعب المؤمن بالله والمخلص لوطنه ، والمترابط مع قوته العسكرية ، لا يمكن أن يهزم ، ومهما كانت قوة العدو فإنه ، الشعب المقاتل ، والجيش الشعب ،لا ينكسر وإن إنهزم في جولة من جولات الحياة ، حتى لو اشتركت فيها السرايا واختلفت فيها النوايا ، سنستبدل الجولة بصولة تعيد للأمة الكرامة .
الكرامة ..معركة لم تخضها جيوش العرب، فقد إنتصر فيها جيش الأردن ، جيش من بواسل صيد ، ونشامى صناديد ، اشتروا بأرواحهم كرامة الأمة وعزة الوطن ، وقايضوا بالدم سيادة التراب الطهور ، زرع فيها الدم أشرف الأسماء على ذلك التراب ، كشيمة قديمة للحياة التي يبتغيها العربي الشريف بأي قيمة .
كان شريان النهر شاهدا على اندحار مرورهم ، وانكسار حضورهم ، وتعانقت كفتي الوطن من شرقي النهر ومن غربه ، أردنيون حـُماه ، وفلسطينيون أباه ، وجيش مصطفوي ، وشعب لا ينحني ، يقاتلون ضد معتد ٍ غاصب أجُبر غصبا أن ينحني . ، و لن يكون هذا الشعب يوما إلا كريما كما حفرة كلما أخذت منها زادت ،وكلما حُفر فيها اتسعت ، حتى تكون مقبرة للمتخاذلين وأعداء الأوطان .
يا كرامتنا التي لا تزال رأسمالنا ، وبيت عائلتنا الذي ورثناه عن آبائنا ، لن نخذلك ولو كان آخر عهدنا بدمنا باردا ، سننثره كالزئبق يذيب فراء ذئابهم الحمراء ، ويصلي أجوافهم الجائفة، و يا شهداءنا الذين كتبتم شهادة ميلادنا ، ووقعتم بسلاحكم على وثيقة حق تقرير مصيرنا ، يا أبطالنا الذين لا زلتم تذكروننا بيوم النصر على أعدائنا ، لن ننساكم ، فمعركتنا لم تنته بعد ، ستبقى جيادنا البلق العتيقة تحن الى مهاميز فرسانها ، وستأتي جياد الحق يوما الى يوم الكريهة تضبح لتفتح للنصر ألف باب ليبقى هذا الوطن عزيزا لا تعبره أقدام الطغاة
يا آبائنا على ضفتي النهر قوموا وارفعوا رؤوسكم عاليا من تحت تراب الكرامة ، وذكرونا بأننا أبناء الكرامة ، وإن أسهم الكرامة ليس لها سوق تباع فيها وتشترى ، وأخبرونا إننا لا نخون العهد بعض يوم حين أغفلنا الكرامة ، وإن وطن الكرامّة ، لا تقتله السُموم . كما تقتله الحكايات الكاذبة والفتن السوداء وخطاب الكراهية وتثبيط الروح المعنوية للناس .
إن الكرامة معركة لا تنتهي أبدا ، فهي مضارع مستمر لأجيالنا ، لنعيد كتابة المنهاج الوطني ليتعلموا الإيثار والتضحية و حماية الوطن من الداخل ، فنحن نتخاصم مع بعضنا ، ولكن لا نتخاصم مع هذا الوطن .
(الرأي)