الشيخ المناضل نمر باشا العبادي عراقة الوعي السياسي
د. محمد المناصير
23-03-2014 12:00 PM
ولد الشيخ نمر باشا العريق(العريج) عام 1884في بلدة عيرا من بلاد البلقاء من شرقي الاردن، في مضارب قبيلته بني عباد من اعرق قبائل شرقي الاردن .
نشأ نمر العريق العبادي، في بيت والده، الذي كان شيخاً حظي بتقدير كبير، داخل عشيرته وخارجها، وقد ربى ابنه نمر منذ صغره على الفروسية، والرجولة وركوب الخيل، فاتسمت تربيته بالصرامة والشدة، وقد تلقى تعليماً بسيطاً من خلال الكتّاب، غير أن علومه الحقيقية، تلقها من مدرسة الحياة، التي دخلها باكراً، حيث كان ملازماً لوالده، مما أسهم بدرجة كبيرة في نمو شخصيته القيادية، وبروز وعيه من خلال معرفته الكبيرة بالقضايا العامة .
استلم زعامة عشيرته بعد وفاة والده، وسرعان ما ذاع صيته، وقصده الناس من مناطق متعددة، وقد أعتبر شيخ من مشايخ بني عباد بعد وفاة شيخ مشايخها ابن ختلان، وكان له دور معروف مع شيوخ البلقاء، في إدارة الأمور فيها خلال الفراغ السياسي والإداري، في أعقاب سقوط الحكومة العربية في دمشق عام 1918، كما كان فاعلاً في حل القضايا بين الناس، سواء بالقضاء العشائري، أو من خلال إحلال الصلح مكان الخصام، وإصلاح ذات البين، وكان دائم التنقل في البلقاء والكرك وجبل عجلون، وكانت له صلات طيبة وعلاقات وثيقة مع شخصيات ووجهاء من فلسطين، حيث تردد على القدس ونابلس وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية، وكان محبوباً ومقرباً من الناس، يتعامل مع الكبير والصغير، ويسعى إلى إحقاق الحق، ورفع الظلم، والعمل للصالح العام.
كرس الشيخ نمر باشا العريق العبادي حياته للعمل العام، وخدمة عشيرته ووطنه خلال تلك المرحلة ، فعندما أرسلت الحكومة الأمريكية لجنة كنغ – كرين إلى دمشق، لتقصي مطالب ورغبات أهالي المنطقة عام 1919، توجه وفد من شيوخ ورجالات شرقي الأردن، الذين كانوا على تواصل مع أعضاء النادي العربي السوري، وقد تجلت مطالب رجالات شرقي الأردن، بالمطالبة بالاستقلال وبوحدة سوريا الطبيعية، ورفض وعد بلفور، والوقوف في وجه الهجرة اليهودية، والتحذير من مخاطرها المتزايدة، التي يتعدى خطرها حدود فلسطين، وقد وثقت اللجنة حوارها مع الشيخ نمر العريق العبادي، على النحو الآتي:
اللجنة : من أجبركم على الحضور؟
نمر : أجبرتنا عاطفتنا العربية، وحبنا لمجد قوميتنا، ولو كانت المسافة أضعاف ذلك لما تأخرنا، وإننا مستعدون لفداء مالنا وأرواحنا وأولادنا في سبيل استقلالنا.
اللجنة: من أين تأخذون الأموال؟
نمر : من المحل الذي يراه أبو غازي ( الملك فيصل الأول )
اللجنة: وإذا لم يمكنه تدارك الأموال اللازمة؟
نمر :نبيع كل ما نملكه ونقدمه له .
اللجنة : وإذا لم يكن الاستقلال؟
نمر: نطلبه بهذا، وأشار إلى السيف.
ويستمر حوار اللجنة مع الشيخ نمر العريق، حول حقوق الأقليات، فيثب لهم أن لا تفرقة بين أبناء الشعب، ويضرب لهم أمثلة عن وجود أعضاء مسيحيين في مجلس الإدارة في البلقاء، ويرفض في الحوار الموثق، القبول بدولة انتداب، ويؤكد قدرة أبناء المنطقة على إدارة شؤونهم بأنفسهم، ويعلن من جديد رفض الهجرة اليهودية، التي تهدف إلى الاستيلاء على الأرض، وتشريد أهلها. وهذا موقف متقدم لشيخ جليل، قاده وعيه المستنير، إلى التعبير عن ضمير كل عربي حر، في كل زمان وكل مكان.
ساند الشيخ نمر باشا العريق، جهود الأمير عبد الله المؤسس، في تأسيس إمارة شرق الأردن، وكان مقرباً من سمو الأمير، وتقديراً لمكانته العشائرية والوطنية، ولما يحمله من فكر قومي حر، فقد أنعم عليه الأمير عبد الله المؤسس، بلقب باشا، ليكون أول من نال هذا اللقب من شيوخ ووجهاء عباد، فقد صدرت الإرادة الأميرية الصادرة في 11 ـ محرم ـ 1342 هـ ـ 30 ـ آب ـ م1923 ) بمنح الشيخ نمر لقب الباشوية أوردت إسمه على النحوالتالي ( نمر باشا العريًّـج) ، وكان الشيخ نمر باشا واحدا من (18) من شيوخ الأردن الذين أنعم عليهم الأمير المؤسًّـس عبد الله الأول بن الحسين بلقب (باشا) في عام 1923 م ،، وقد كان نمر باشا عضواً في المؤتمر الوطني عام 1928، ممارساً لدوره الوطني والسياسي، الذي أسهم في وضع الدولة الأردنية الناشئة، على طريق بناء المؤسسات الوطنية العصرية. ومن صفاته التي عرف بها، قوة شخصيته وكرمه وفكره القومي الواعي، وقد توفي هذا الشيخ المناضل نمر باشا العريق العبادي عام 1936 عن عمر يناهز 52 عاما وأثارموته المفاجئ موجة حزن عمـَّـت كل عشائر البلقاء حتى أن بعض الروايات تقول: إن عشائر العدوان أقاموا الحداد على المرحوم الشيخ نمر باشا العريق لمدة ثلاثة أيام ، فقد كان فقيد وطن وأمة مثلما كان فقيد قبيلته ، وقد كرَّمته أمانة عمان بتسمية أحد شوارع العاصمة عمان باسمه.
وإستكمالا لموضوع لجنة كينغ ـ كراين يذكر الوزير ـ العين السابق الأستاذ أكرم زعيتر في كتابه ( وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية ) (ص )30 أن اللجنة قابلت أثناء مكوثها في الأردن وفدا من أعضاء بلدية عمَّـان ، ووفدا من الشراكسة ، ووفدا من عرب البلقاء برئاسة الشيخ سلطان باشا العدوان ، ووفدا من قبائل بني صخر برئاسة الشيخ مثقال باشا الفايز ، ووفدا من أعضاء النادي العربي بعمَّـان ، ووفدا من قبائل عبَّـادبرئاسة نمر باشا العريق ، ووفدا من الروم الأرثوذكس ، ووفدا من أعضاء نادي البلقاء ، ووفدا من أعضاء الجمعية الإسلامية ـ المسيحية ، ووفدا من من ناحية مادبا ، ووفدا من مسيحيي الكرك ، ويذكر الأستاذ أكرم زعيتر أن جميع الوفود التي قابلتها لجنة كينغ ـ كراين أكدوا إصرار الأردنيين على رفض الإنتداب البريطاني وإصرارهم على نيل الإستقلال ، ويذكر أن معظم الوفود كانت تخرج من لقاءاتها وهي تهتف: يحيا الاستقلال العربي.