مدهشة تلك السيولة على صفحات التواصل الاجتماعي من معايدات بمناسبة عيد الام , فقد ارتفعت مناسيب الحنان في سدود الامهات الى مستويات اقرب الى الفيضانات , نتمناها في سدودنا المائية , وكشف الفيسبوكيون والمتوترون “ نسبة الى تويتر وفيس بوك “ عن مخزون هائل من الحنان حيال الام وحيال الانثى بشكل عام .
وفي غمار عيد الام نفسه انداحت الهتافات المسيئة والشغب العنيف في ملاعبنا في تطور ملموس بأن “ النخبة “ قد شاركت في العنف ودخلت في اتونه تلبية لهتافات الملاعب البغيضة مؤكدة للمرة الالف انها كريما مجتمعية وليست نخبة حقيقية , وعشيّة الاحتفالات والاسهال في المشاعر نحو الانثى قُتلت امرأة بدم بارد .
مشاعر الحنان على العالم الافتراضي قابلها عنف اجتماعي واستخدام طلقات نحو رأس انثى , فأي شخصية هي الصادقة في مجتمعنا واي شخصية هي الاقرب الى واقعنا الحقيقي ام اننا امام ازدواجية مجتمعية تؤكد اننا مجتمع فاشل واننا نمارس ليلا عكس ما نقوم به نهارا وان كل واحد منا يحمل في الداخل ضده .
مَن كتب ليلا بكل رفق وحنان عن الام والانثى كان صباحا مستنفرا ويقاتل ارنبة انفه , ومن اسهب في ذكر محاسن الام افاق صباحا وهو يسأل عن تالي الكعكة , ولما اكتشف وأدها في بطون الصغار لعن اليوم الذي احتفل به ولعن الساعة التي تزوج بها ولعن الانثى المستهترة واشاح بوجهه عن امه التي سهّلت العملية للصغار .
أمس وخلال حوار طريف مع احد المعلقين الشرهين سألته ان كان زار امه المقيمة في محافظة بعيدة نسبيا فأجابني بالنفي لانشغاله بالتحضير لحفلة شواء ثم الذهاب الى الملعب لحضور الكلاسيكو المحلي , واستهجن ابتسامتي الصفراء لأن مشاعره قد وصلت الام الحنون عبر الهاتف الخليوي , وانه اوكل مهمة الهدية لشقيقه المُقيم في نفس المحافظة على امل السداد في اول زيارة قادمة .
قبل اسبوعين كانت الصفحات تعجُّ بشهيد الكرامة رائد زعيتر ومع ذلك غابت الكرامة عن صفحات التواصل الاجتماعي وذكراها وانشغلنا بكرامة الفريق المهزوم او كرامة الفريق الفائز في كلاسيكو الاساءة الى كرامة الوطن والمواطن من جمهور الكرة الناشط تماما على الفيسبوك والذي اشبعنا حديثا عن الكرامة والشهداء وفي يوم الكرامة الحقيقي عشنا يوما سيئا للكرامة والام والانثى .
دون مجازفة نحتاج الى علماء علم اجتماع والى اخصائيين في الطب النفسي يقومون بإجراء فحص دوري جماعي في استاد عمان الدولي وفي باقي الملاعب في المحافظات , ونخضع لعلاج جماعي لازالة التوتر والاحتقان والى مرايا كبيرة نقف امامها كي نقرّب الصورة من الشخص , ونسأل الشخص الواقف امامنا في المرآة عن الهوية وكرة القدم , عن الصوت الانتخابي المهدور مثل ركلات الترجيح في المباريات الفاصلة ثم المطالبة بتكرار نفس الركلة او الصوت في المرات القادمة , فتعود نفس الاسماء ونعود الى نفس المطالب .
في العالم الافتراضي نكون حقيقيين في صراعنا وكاذبين في مشاعرنا بدليل تطابق المواقف في الصراعات بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي , فمسلسل الشتائم والتخوين متصل على المواقع ومتواصل في الملاعب , ومسلسل المعارضة الشرسة موصول على المواقع وغائب عن الساحات والتظاهر .
الخلل ليس في الحكومات او البرلمانات فقط بل في جمهور استمرأ الصراخ والعويل دون مواجهة نفسه بجرأة وجراءة , فنحن مجتمع مشقوق وموزّع بين عالمين ونعكس هذا الشق في حياتنا وفي مشاعرنا ولعلني اجد ضرورة لحملة لاغلاق مواقع التواصل الاجتماعي علّنا نتصالح مع انفسنا بتقليل فرص الشروخات واغلاق العوالم الوهمية التي تزيد من امراضنا النفسية .
(الدستور)