ربيحات يكتب: الدفء الفيسبوكي
22-03-2014 02:56 PM
منذ أيام وأنا اسأل نفسي: هل يمكن ان يكون مستوى البوح.. والتعبير.. ودفء الكلمات الذي نلمحه على جدران صفحات الفيسبوكيين هو نفس الحب والدفء والبوح الذي يسود العلاقات الحقيقية بين الافراد.
الكثير منا ينشرون صورهم مع امهاتهم وآبائهم واخوالهم وخالاتهم وعماتهم وبناتهم وقلة ينشرون صورهم مع ازواجهم... الرسائل الشخصية التي تغطي جدران الزمن على صفحاتنا توحي بحب ودفء لا مثيل له.
صور المواليد والعمرة.. والولائم وجلسات الاصدقاء والصديقات... البلائز الجديدة والاكلات القديمة.. والاماكن واللحظات التي نعيشها وعشناها تنشر على جدران صفحاتنا ...
التكنولوجيا الفيسبوكية مكنتنا ان نعبر عن فرديتنا التي بقيت حبيسة لنظام المجاملات والبروتوكولات التي دفنا فيها ذواتنا ومشاعرنا لمئات السنين.
الجميع يهنئ امه بعيد الام.. ويتذكر عيد ميلاد اصدقائه... وينشر قصصاً طريفة وغير طريفة عن الابناء والاصدقاء.. استطاع النهج التواصلي الجديد ان يشجعنا لاستذكار الماضي واعادة كتابة تاريخنا الشخصي والجماعي.
العالم وانجازاته يستجيب لضربات اصابعنا على لوحة الاحرف لاجهزتنا.. صور اللحظات الجميلة والاقل فرحا في متناولنا. والعالم على بعد نقرة او نقرتين..
يمكن لك ان تتحادث مع اي شخص بلا عوائق اوعقبات ,,, ويمكن ان تتعرف على الناس الذين اعتقدت انك تعرفهم واكتشفت ان معرفتك مختزلة في موقف او اثنين لا يعبران عن الذات الجميلة للاشخاص الجميلين.
ألزمنا الفيس بوك ان نفكر بما نكتب ..ونصيغه في رسائل مفهومة وننتظر ان يقرأ الاصدقاء ما كتبنا ويستوعبوه للرد علينا. فقد تعلمنا التفكير والكتابة والطباعة والتأليف والاستماع والانتظار والتحليل والمفاضلة بين الكلمات لاختيار الانسب لنقل المعنى لاشخاص لا تراهم ولا يرونك كي لا تفهم خطأ.
اتذكر انني كنت ازور امي التي احبها حبا يصعب عليّ وصفه... ولم افوت مناسبة عيد من الاعياد الا واكون على فراشي الذي كانت تعده لي بعناية واهتمام يفوق اهتمام اجنحة الفنادق الذين يعتنون بزوارهم من رجال السياسة والمال . ولا اقصد النوعية او الفخامة بقدر ما اتحدث عن العناية والاهتمام واللمسات التي لا تتوقف حتى بعد استغراقي في النوم لساعات..
في كل مرة اشحذ همتي لازور امي انطلق وكل حنين لملاقاتها ... ويتاجج حماسي لساعة او ساعتين بعد وصولي ..لكن ما كان يحيرني انني افقد هذا الحماس لدرجة انني لا اجد كثيرا مما يمكن ان اقوله لادامة التواصل معها.. فبعد الدقائق الاولى من وصولي وتكرار "كيف انتا... وكيف حالك... وانشاء الله بخير...وسؤالي عن المطر ...او الربيع... او الحصاد.. والموسم... وصحة البنات والجيران يخلص الكلام .... لكن الحب يبقى ساكنا...لان لا شيء في تراثنا يساعدنا على التواصل.
كنا نقطع الصمت الطويل باباريق الشاي وجولات القهوة السادة وغير السادة وتوجيهات امي لاخواتي الصبايا لاحضار بعض ما احتفظت به امي من الاشياء التي اشتهتها لي فقد كان لديها مهارة خاصة في حفظ الاغذية بالطرق التقليدية التي اعتاد عليها الاراميون والاشوريون والانباط ... فهي ونساء القرية يعمدن الى تخزين الرمان لفترات قد تمتد لشهور بعد قطافه.. فمعظم اشهر السنة يمكن ان ترسل احدى الصبايا لتحفر في التبن الذي كان مستودع خباياها المتعددة... كانت تحافظ على كميات معقولة من الجميد المحوج بالكركم وبعض الاعشاب الذي اعتاد الاباء ان يقدموه مع الشاي لضيوف الدرجة الممتازة من الجباة ورجال الشرطة وموظفي الاقراض الزراعي والحراج واعضاء الهيئة التدريسية احيانا.
اليوم يدهشني حجم البوح الذي يعمد له الابناء وهم يتحدثون عن ابائهم وامهاتهم..
المشكلة انني لا اعرف مدى مشاركة الاباء والامهات لابنائهم هذا البوح.. انني متاكد من انهم يستمتعون.. لقد شاهدت صورا لبعض الاعزاء مع امهاتهم في المطارات والقوارب والديار المقدسة والحقول والمطاعم ومدن الملاهي ... وهي صور تجسد جمالا انسانيا لافتا لكنني اتساءل عن مدى استمتاع الاهالي بهذه المشاهد كما يستمتع فيها الابناء .. والسؤال الاخر لماذا تكثر صور كبار السن مع ابنائهم وبناتهم او الصغار ولا نرى صور الازواج والزوجات او قصصاً انسانية عن علاقات اسرية يمكن ان تظهر ابعاداً انسانية غير الوفاء والعطف والبر...
الفيسبوك غيّر فينا كثيرا.. وخدمنا كثيرا ..وجعلنا نبدو اكثر حبا ودفئا واقدر على التعبير... من اهلينا الذين قضى البعض منهم دون ان يكتشفوا الود الدفين تحت اسمالنا.. كل عام واهلينا بخير.... والامهات والابناء والاباء والاسر بخير..