آخذ القارئ اليوم في سياحة لأستدرجه ثم أنتهي ببعض الجد.
في أبو ظبي نزلت في فندق يتسع لجميع مواطني دولة مجاورة. كانت غرفتي تبعد عن مكاتب الاستقبال والتسجيل حوالى كيلومتر. وجدت أن الفندق تديره مجموعة كامبنسكي التي عرفت فنادقها في نيويورك وأسبن، بولاية كولورادو، والبحر الميت وبودابست، إلا أن هذه الفنادق مجتمعة أصغر من فندق «قصر الإمارات» وحده.
كان هناك مئات الزوار كل يوم، ومئات ألوف الصور، خصوصاً من الصينيين واليابانيين وغيرهم من مواطني الشرق الأقصى. ورأيت فتاتَيْن تصوّران إحداهما الأخرى بين التماثيل والقبب ثم هما طلبتا مني أن أصورهما معاً. وفعلت، ويبدو أن الصورة كانت جميلة فطلبت البنتان أن أصورهما هنا وهناك وهنالك. وسألتهما من أين هما فقالتا إنهما من فيتنام. وقلت لهما إنهما أول ناس من فيتنام أكلمهم.
فخامة الفندق من الداخل لم تمنعني أن أستغل كل فرصة ممكنة لأخرج وأستحم بأشعة الشمس. هناك زهرة يسمّونها في الغرب زهرة الشمس، ونسمّيها نحن «عَبَّاد الشمس» لأنها تستدير باتجاه قرص الشمس. أصبحتُ مثلها بفضل طقس لندن.
الفندق أعاد إليّ ذكرى قديمة، ففي بيروت كانت محررة صفحة المجتمع وأنا رئيس تحرير «الديلي ستار» أميركية اسمها بيغي جونسون، وقد عرفناها وهي في عمر وسيط مع أنها كانت شابةً عارضة أزياء احتلت غلاف مجلة «فوغ» يوماً وهي حامل، وكان الموضوع أن المرأة تستطيع أن تظل حسناء وهي حامل.
في بيروت كان هناك من وجهاء القوم السيد محمد حوري، فكانت بيغي تكتب اسمه محمد خوري. وحاولت غير مرة أن أفهمها أن الرجل إما محمد وإما خوري لأن الاسمين لا يجتمعان. غير أنني وجدت بعد سنوات، وبعد أن انقطع الاتصال مع بيغي جونسون، أن في دبي محمد خوري، واسم العائلة من الخور وليس من كاهن، وأشرت إلى هذا الاكتشاف في حينه.
هذه المرة لم أرَ الاسم محمد خوري في دبي ربما لأن خط المترو حجب أسماء متاجر كثيرة على الطريق، إلا أنني في فندق أبو ظبي وجدت الاسم محمد رسول خوري فوق متجر لبيع الساعات وبعض المجوهرات، ما جعلني أسترجع أيام بيغي جونسون معنا.
استعدت وأنا في أبو ظبي شيئاً قاله لي الأمير سلطان بن سلمان في الثمانينات وهو يتدرب في هيوستن قبل صعوده في المكوك «ديسكفري» إلى الفضاء. هو قال بعد تجربتنا في تكساس: الأميركان عندهم أكبر شيء. الإنكليز عندهم أقدم شيء. نحن عندنا أغلى شيء.
دول الخليج تحاول منافسة الولايات المتحدة في ضخامة المشاريع، ومطار دبي أكبر من أي مطار عرفته خلال إقامتي في الولايات المتحدة. وقد زرت «مول» في الدوحة و «مول» آخر في أبو ظبي، وضِعتُ فيهما فلم أعرف كيف أخرج. لا أدري إذا كان هناك من الزبائن ما يكفي، أو يبرر، ضخامة الأحجام.
والآن بعض الجد، فأنا أقول عن الإمارات إنها مزدهرة مع أمن وأمان، ولا أقول إنها المدينة الفاضلة، أو إنها تنافس اسكندنافيا في الديموقراطية، ففي هذا العالم لا يوجد «نيرفانا».
وكنت في أبو ظبي أرسلت «تكـسـت» إلى الأخ مـحمـد دحـلان لنـصـحـه، فـقد كـان من أبـطال الـمقاومـة الفلـسـطينية، وسـقط. وهو لم يرد والآن أقرأ أن السلطة أو أبو مازن شخصياً يـوجه إليه اتهـامـات قـاسـية.
لا أعتقد أن دحلان جاسوس إسرائيلي أو قاتل، إلا أن غروره قتله، وانتهى ولا قاعدة شعبية له في غزة أو غيرها، يعيش على حساب «الأجاويد» في الخليج ويشنّ حرب طواحين على قادة وطنه.
أرجو أن يُعيد النظر في وضعه السابق كزعيم فلسطيني واعد، وما انتهى إليه من ضياع. لم يفت الوقت.
(الحياة اللندنية)