رغماً عنا -جميعاً- تأتي بوردها، بفوحها، ببوحها، بألوانها وبكل ما فيها من فرح .أعياد اختارت طلة الربيع لتضع يديها بيده، لم تستأذن احداً ولم تغلق أذنها لصوت العصافير ولا لنبض القلوب ولمعان الوعود تحت شمس الأمل، الأمل شمس تُرى بعين القلب الذي ينبض بالحب .الحب الذي ليس امرأة ولا رجلا، ذاك الذي لا تعريف له سوى انه ..الحب !
رغم دموية الربيع العربي أتى الربيع ليس مختالاً ضاحكاً- من الحسن حتى كــاد ان يتكلما- كما يقول البحتري بل جاء عاتباً لائماً على من أساؤوا الى اسمه ولونه وجماله؛ فلطخوا ورده بالدم وداسوا زهره بالاقدام .اولئك الذين اقتلعوا الحب من جذور الشعب، أوحوا لهم انهم بعضهم لبعض عدوّ، بالفتنة فتتوا الأوطان، وفي شقوق الأرض غرسوا الحقد .
الأعياد تحالفت هذه السنة؛ جاءت زرافاتٍ لا وحدانا: عيد الأم، عيد الربيع، عيد النيروز، عيد الشعر، عيد السعادة، وفي المقدمة عيد الكرامة ليذكِر العرب ان لا عدو سوى العدو الصهيوني ولا طريق غير الوحدة لاستعادة الكرامة العربية .
هل تكفي كل هذه الاعياد لتذكرنا بما فقدنا من فرح، وما افتقدنا من كرامة ؟!
على رسلك يا حافظ ابراهيم، فالأم لم تعد «مدرسة إنْ اعددتها أعددت جيلا طيب الأعراق»، الام في زمننا هذا اصبحت ام المناسبات والأعياد والاحتفالات، أمًا بالواتس أب والفيسبوك، والحليب المعلب بالصفيح لا بالثدي الذي يمتد من القلب الى القلب. لقد فقدت الأمومة أمومتها وصار الحنان مضيعة لوقت الصالون وجلسات النميمة وفساتين السهرة .الأم هي الخادمة التي لا تعرف لغتنا ولا أطباعنا ولا ما يريد أطفالنا غير الأكل المسرطن والزجر غير المبرر والنوم بالاجبار والأدوية المنومة القاتلة .ليس كل الأمهات، طبعاً لسن كلهن، لكن الام لم تعد أمك وأمنا التي كانت قناعتها انها خلقت لنحيا نحن .
الحب أصبح سريعا كوجبات الفاست فود، عقد ايجار لمدة محددة ينتهي برفض احد الطرفين والرحيل لم يعد محزناً. لم تعد القلوب في مكانها، لم تعد تعرف كيف تفرح و كيف تحزن!! .العمق لم يعد عميقا وللحب مواسم تتغير حسب الطقس . لا ينابيع فالماء البلاستيكي متوافر بغزارة العطش .
الأسرة تفككت باتت مجموعة اسرّة على عدد الأفراد ليس بينها رابط سوى شهادات الميلاد وعقود الزواج .الاخلاقيات تبدلت ولا وقت للحياة في الحياة .وهذه ايضاً، الحياة، أصبحت بلا حياء ولا حياة .
الكل يدعي الفرح وفي داخله مقبرة . الاقنعة تخفي وراءها اقنعة .أنت سعيد بقدر ما تتقن من كذب عليك وعليهم . لا يسمونه -اليوم- كذبا . يطلقون عليه اسماء -ايضا- كاذبة . تمثيل، مجاملة، مشِ حالك، وما ان ينظروا في المرآة حتى ينهار من يرى نفسه، ومن لا يرى لا..يرى، يعد قناع اليوم التالي وينام لكأنه ليس هو . لم نعد نشبهنا. لم نعد نحن الذين كنا !
لكن رغماً عنا، الأرض لا تكذب، لا تغير دورتها ولا وجهها، ربيعها لا يتلوث، زهورها تتفتح، تعطي بلا مقابل وها هي تفرش بساطاً بكل الألوان لكل من يريد أنْ يكون هو !!
(الدستور)