أصدرت المحكمة الدستورية قرارا يُثلج الصدر، ويقدر العاملون في السلطة التشريعية أهميته؛ وهو يؤكد حق الجلسة المشتركة لمجلسي الأعيان والنواب في بحث أي مقترح بديل لقراري الأعيان والنواب.
هذه القضية ليست موضحة في الدستور. وجاء النظام الداخلي لمجلس النواب لينص على أن التصويت يكون بين قرار النواب والأعيان، فيما خلا النظام الداخلي لمجلس الأعيان من هذا الشرط. وقد كانت هناك سوابق ببحث مقترح ثالث، لكن في الجلسة المشتركة قبل الأخيرة، جرى التصويت على تفسير يمنع بحث مقترح ثالث. وكان الأمر خلافيا جدا، فقرر النواب طرح الأمر على المحكمة الدستورية.
المشكلة هي كالتالي: يقوم النواب بالتصويت على قرار بشأن مواد في قانون معين، فيأتي الأعيان ويقررون خلاف ذلك. عندئذ يتم عقد جلسة مشتركة للبت بالقرار، وأي من القرارين يجب أن يحصل على ثلثي الأصوات، وإلا تعود المادة كما قدمت من الحكومة. لكن في الأثناء، قد يقود الحوار بين الأعيان والنواب إلى تسوية على صيغة ثالثة بديلة لقراري النواب والأعيان. وقد احتجنا ذلك بالفعل في غير مناسبة، مثلما حدث في قانون العمل. لكن التفسير الضيق للدستور، والذي منع ذلك، حرمنا من الخروج من مأزق الخلاف.
أمامنا الآن تشريعات إضافية مهمة جدا وخلافية، مثل قانون التقاعد المدني الذي صوت عليه النواب والأعيان بطريقة مختلفة. ومن وجهة نظري، فإننا لم نأخذ القرار الصحيح لا في "الأعيان" ولا في "النواب"، وهناك صيغة ثالثة أفضل يمكن التفاهم عليها. وكان التفسير الضيق للدستور يمنعنا من ذلك؛ أي إن أسبابا شكلية تحول دون تطوير الأمر نحو شيء هو الأفضل. ونحن نتحدث عن تشريع سيحكم حياة الناس. الآن، جاء قرار المحكمة الدستورية لحسن الحظ ليحسم الأمر، ويفتح الباب لإجراء تفاهم على نص بديل مقنع، يرتاح له ضمير الجميع.
هذا الأمر يفتح على قضية تطوير الأداء في المؤسسة التشريعية. ومع الأسف، فإن الأمور الجوهرية تحتاج إلى تعديلات دستورية، وقد فاتنا في التعديلات الماضية النظر في هذا الأمر، بسبب سيادة النزعة المحافظة التي لا تريد نبش ما هو قائم ومستقر. لكن، كيف يمكن تطوير بلد إذا كان على الناس أن يخدموا النص، وليس العكس؟
إن كل آلية التشريع تحتاج إلى مراجعة وتطوير، حتى مع بقاء صيغة مجلس الأعيان كما هي؛ أي بالتعيين، مع أن التعيين نفسه يمكن تطوير أحكامه لتصبح أفضل وأكثر إقناعا
.
إن الآلية الحالية طويلة، ومحكومة بشكليات متعددة تعيق العمل والوصول إلى أفضل الحلول. ولا أرى سببا يحول دون فتح حوار، أو لنقل عصف ذهني حول الموضوع، وطرح أفكار ومقارنتها؛ فقد ينضج شيء يفتح الطريق على القبول بوجبة ثانية من التعديلات الدستورية، من دون مخاوف سياسية يتم التلويح بها، وتحول دون الإقدام على تطويرات تخدم البلد وعملية التشريع.
إلى ذلك الحين، يمكن أيضا بحث مقترحات أيسر تتعلق بالنظام الداخلي لمجلسي الأعيان والنواب. وعلى سبيل المثال، فإن قرار المحكمة الدستورية الذي فتح الباب لبحث قرارات بديلة في الجلسات المشتركة، يستدعي وجود آلية ليس منصوصا عليها في النظام الداخلي للأعيان والنواب؛ فمثلا، كيف ومتى تقدم الاقتراحات، وممن، ومتى يمكن طرحها على الجلسة المشتركة؟
(الغد)