الاعتداءات أصبحت ظاهرة متكررة وملحوظة في مجتمعنا، وتتعدد أشكالها وألوانها ومجالاتها، حيث نسمع بشكل دائب الاعتداء على بعض الأطباء، سواء في المستشفيات الحكومية أو الخاصة، وقبل مدة وجيزة أقدم بعض الأفراد المسلّحين على اقتحام مستشفى خاص، وقاموا باقتحام مكتب المدير العام، وخلعوا الباب وحطموا الأدوات، وعاثوا فساداً في المحتويات احتجاجاً على تدهور الحالة الصحية لأحد أقاربهم الذي دخل المستشفى مصاباً على إثر بعض حوادث العنف في إحدى الجامعات قبيل بضعة أشهر.
وقد سمعنا عن حوادث اعتداء على أطباء وممرضين بعد سماع بعض الأشخاص خبر وفاة ذويهم في إحدى المستشفيات الحكومية، وتكرر ذلك بوضوح خلال السنوات الأخيرة، وهناك حالات اعتداء وافرة على خطوط المياه العامة، فيتم سحب المياه إلى مزارع وبيوت بطريقة غير مشروعة، وهناك حالات اعتداء على خطوط الكهرباء، والعدادات، وهناك سرقة لـ»الكابلات» والأدوات العامة، وهناك اعتداءات كثيرة على الغابات، بخاصة في أيام الشتاء، وهناك سرقات احترافية للسيارات بعد استغفال أصحابها، من أجل المساومة على دفع مبالغ نقدية كبيرة، وهناك سرقات لبعض المؤسسات الحكومية بالإضافة إلى قيام بعضهم بالحرق والتخريب في أماكن كثيرة وعديدة على امتداد ساحتنا الوطنية.
ظاهرة الاعتداءات على الحق العام، و المستشفيات والأطباء زادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة رغم ارتفاع مستوى التعليم، وزيادة المتعلمين خاصة في ظل الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت معظم أقطار العرب، وذلك تحت غطاء اتساع نطاق الاحتجاجات ورفع سقف الحريات، وتعدد المطالبات، التي أدت إلى زيادة جرعة الغضب لدى بعض الفئات التي شكلت عند بعضهم مرحلة لتفريغ شحنات التوتر والانفعال عبر السلوكات التخريبية التي تحمل كل معاني الإساءة للذات، والإساءة للوطن والدولة والمجتمع، وبعضهم توسع في مجال الاعتداء على الحق العام تحت مبرر انتشار الفساد وكثرة المفسدين بشكل متعسف للنيل من الآخرين، دون شعور بالعقاب وملاحقة القضاء، وممارسة الاستقواء على المجتمع ومؤسساته، وممارسة الاستقواء على الحق العام، والاستقواء على الأشخاص والمسالمين والمستضعفين، والاستقواء على ممتلكات الآخرين الخاصة.
ظاهرة الاعتداء على الحق العام، وظاهرة الاستقواء بالعشيرة، وظاهرة انتشار البلطجة على هذا النحو يشكل جرس إنذار مرعب للمجتمع، ويشكل دلالة خطرة، ومؤشراً مثيراً للفزع، إذا لم يتم تدارك الموضوع بطريقة جادة، وعزيمة رسمية وشعبية تحمل أعلى درجات الاستنفار والعلاج الحاسم الممزوج بالحزم والقائم على فكرة التعاون بين كل الأطراف المجتمعية التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على الاستقرار العام، وحفظ أمن المجتمع والناس.
إن الذين يشعرون بالفرح والمتعة، وتنتابهم مشاعر النشوة عند بروز ظواهر الاعتداء على السلامة العامة، وظواهر الاعتداء على المؤسسات الرسمية والخاصة، فهؤلاء لا ينتمون للوطن ولا ينتمون للمجتمع، ولا ينتمون لهذا الشعب، وهم بعيدون عن منطق العمل المجتمعي البريء، وعندما تظهر بعض العبارات التي تعبر عن معاني التشفي والسخرية، فهؤلاء لا يستحقون الاحترام ولا يحظون بتقدير الجماهير الفعلي.
الذهاب إلى الفوضى، والتشجيع على الخراب، والسكوت على الاعتداءات العامة تحت غطاء العشيرة وثورة الغضب والانفعال، أو ستار المناكفة للدولة ومؤسساتها أو المناكفة السياسية للحكومات، منهج مرفوض قطعاً، ولا يقره عرف ولا شرع، ويمثل عملاً صبيانياً أخرق، ومرضاً نفسياً خطيراً، ينذر بأوخم العواقب وأبشع النتائج.
الفوضى ليست هي البديل، والتخريب ليس هو الطريق، وثقافة الصمت على الاعتداءات على خطوط المياه والإنارة والشوارع، والحق العام والحق الشخصي، تسهم بمزيد من التدهور لتماسك المجتمع، الذي يعد مقدمة نحو الانزلاق إلى الهاوية، ما يقتضي وقفة جادة من الحكومة و كل الأجهزة الأمنية لحفظ أمن المجتمع والمؤسسات والأشخاص بالتعاون مع المجتمع كله، بجميع قواه ومؤسساته المدنية، ويجب عدم التهاون مع هذه الظاهرة المريعة التي تضرب في عمق الاستقرار الوطني.
(الدستور)