قرار التأديب الصادر من النواب ليس من أعمال السيادة
د.عادل الحياري
17-03-2014 04:30 PM
عمون - كثير من الناس لا يعرفون إلا القليل عن أعمال السيادة، ولذلك يقتضي الأمر، قبل الحكم على قرار التأديب، أن نقول شرحاً موجزاً، نوضِّح فيه نظرية أعمال السيادة، وفي ضوء ذلك يصار الوصول إلى الحكم.
نظرية أعمال السيادة ليست من أساسيات القانون، لأنها وردت إلى عالم القانون، على سبيل الاستثناء. وقد ولدت متراحبة ومتَّسعة نظراً للظروف التي كانت قائمة إبَّان ولادتها، ثم ضاقت دائرتها بمرور الزمن، نظراً لزوال تلك الظروف التي صاحبت نشأتها.
وأول من ابتدع فكرة أعمال السيادة، كان مجلس الدولة الفرنسي –القضاء الإداري- ابتدعها لتكون بمثابة «ترضية» للسلطة التنفيذية. والقصة تتلخَّص بأن الحكومة بعد عودة الملكية إلى فرنسا سنة 1914، عقدت العزم على إلغاء مجلس الدولة، لكي تتخلَّص من رقابته على أعمالها. فما كان منه –ليتصالح مع الحكومة- أن تنازل عن بعض سلطاته بحيث استثنى طائفة من الأعمال الحكومية من الرقابة، مقابل الاطمئنان على مصيريه وضمان بقائه.
ومن أجل تمييز أعمال السيادة عن غيرها من الأعمال، أخذ مجلس الدول في أول الأمر بمعيار الباعث السياسي. ثم تطور قضاء المجلس إلى الأخذ بمعيار طبيعة العمل. وقد وجه الفقه النقد لجميع المعايير التي قيلت لتمييز أعمال السيادة عن غيرها من الأعمال، لأن أياً منها، لم يكن معياراً جامعاً مانعاً، لذا استقر الوضع في أن قول الفصل في تمييز أعمال السيادة عن غيرها، لا يكون إلا بالرجوع إلى ما يقرره القضاء الإداري في هذا الشأن. فعمل السيادة هو كل عمل يقرر له القضاء الإداري هذه الصفة. فإذا ما تقررت صفة «عمل السيادة» لقرار ما، فليس أمام القاضي إلا أن يحكم بعدم الاختصاص، سواء كانت الدعوى تتعلق بالإلغاء أو التعويض.
ومن الجدير بالملاحظة أن الدول لم تقم بتعداد الأعمال التي تعتبر من قبيل أعمال السيادة، وقد تركت هذه المهمة إلى القضاء. إزاء ذلك دأب الفقه إلى الرجوع إلى الأحكام القضائية، بقصد تجميعها وتصنيفها في مبادئ معينة. وقد تمكن الفقهاء من تجميع أعمال السيادة في قوائم أهمها؛ الأعمال التي تنظَّم علاقات السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية. والأعمال التي تنظَّم العلاقات الدولية والدبلوماسية، وبعض إجراءات الأمن الداخلي والأعمال الحربية.
والنظام القانوني الأردني لم يخرج بمجمله عمَّا تقدَّم من شروحات. إذا أن المشرع الأردني اكتفى بإعلان مبدأ وجود أعمال السيادة، فنصَّ بالتشريع على المبدأ، دون أن يحدد طبيعة تلك الأعمال، تاركاً ذلك إلى محكمة الاختصاص. فقد نصَّت المادة (9) من قانون محكمة العدل العليا –وهي المحكمة الإدارية- رقم 12 لسنة 1992 على أن محكمة العدل العليا «لا تختصّ بالنظر في الطلبات أو الطعون المتعلقة بأعمال السيادة».
وإذا ما استعرضنا بعض أحكام محكمة العدل العليا، نجدها تقول في حكم لها بتاريخ 20/03/1985 أن «أعمال السيادة هي التي تتعلق بسياسة الدولة العليا أو العلاقات الدولية والسياسية أو علاقات الحكومة بالسلطات الأخرى...».
وبتفصيل هذا الحكم، يمكن القول أن أعمال السيادة تشمل في الجانب الخارجي الأعمال المتعلقة بالمعاهدات والاتفاقات الدولية والتصديق عليها وتفسيرها وتطبيقها والاعتراف بالدول وقبول الدبلوماسيين وتمتعهم بالحصانة. أما في الجانب الداخلي فتشمل علاقة السلطة التنفيذية بالبرلمان. كالقرار الصادر عن الملك بدعوة مجلس الأمة للاجتماع وافتتاح الدورة وتأجيلها وفضّ الدورة، وكذلك حل مجلس النواب وحل مجلس الأعيان واقتراح القوانين وسحبها.
وفي حكم آخر (قرار رقم 51/66) قالت المحكمة أن أعمال السيادة تشمل إجراءات السلطة التنفيذية التي ترمي إلى الإشراف على الأمن الداخلي. وهذا يعني أن مرسوم إعلان حالة الطوارئ ذاته، هو الذي يعتبر من أعمال السيادة. ودون ذلك من الإجراءات الإدارية لا بدَّ أن تخضع إلى رقابة القضاء. وللعلم فإن مجلس الدولة الفرنسي –بقصد تضييق نطاق أعمال السيادة- أخرج منذ سنة 1953 مرسوم إعلان الأحكام العرفية من قائمة أعمال السيادة.
من خلال ما تقدم من عرض لهذه النظرية، لا يمكن لأي قانوني أي يفتي بأن قرار التأديب الصادر عن مجلس النواب، يُعدُّ من قبيل أعمال السيادة، لأن هذه الأعمال مرتبطة بمجملها بالسلطة التنفيذية وليس بغيرها من السلطات. ثم إن أعمال السيادة هي الأعمال التي تتخذها السلطة التنفيذية للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها، ولا نظنُّ أن قرار التأديب يرتقي لأن يكون من قبيل المحافظة على كيان الدولة وسيادتها.
في الخلاصة نقول أن وجود أعمال السيادة في النظام القانوني، يتعارض مع مبدأ المشروعية ودولة القانون، لأن هذه الأعمال هي بطبيعتها من الأعمال الإدارية، ولكنها بمنجاة من كل رقابة قضائية مهما كانت درجة عدم مشروعيتها. ثم إنها تمنح السلطة التنفيذية إمكانية التطاول على حقوق الأفراد وحرياتهم العامة، وتمنع الأفراد في الوقت نفسه من حق منازلة هذا السلاح بالدفاع عن حقوقهم أمام القضاء.ومن حسن الطالع أن يكون حق تحديد أعمال السيادة موكول إلى السلطة القضائية دون غيرها من السلطات، لأنها هي الأجدر والأقدر والأعدل على صون حقوق الناس وحرياتهم.
إننا مع الغالبية العظمى من فقهاء القانون، نطالب بزوال هذه النظرية من عالم القانون، والاستعاضة عنها بنظرية السلطة التقديرية، التي تمنح السلطة التنفيذية آلية لتحقيق توازن بين مبدأين متعارضين هما: مبدأ سيادة القانون من ناحية، ومبدأ تمتع السلطة التنفيذية بقدر من حرية التقدير، للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها من ناحية أخرى.
(الرأي)