بعد ثلاث سنوات على اندلاع الأحداث في سورية، يمكن أي مراقب أن يرى في المشهد السوري الحالي آثار ثلاثة قرارات كبرى حالت دون وقف نهر الدم المتدفّق. ظهرت تلك القرارات واضحة غداة اتخاذ الأحداث طابعاً دموياً مريعاً وتدفّق المقاتلين الجوّالين الى الأرض السورية.
القرار الأول إيراني. وهو اعتبر الأحداث في سورية مسألة حياة أو موت بالنسبة الى دور إيران الإقليمي وهيبة نظامها والأوراق التي تملكها.
باكراً عبّر المرشد الإيراني عن هذا القرار أمام احد زائريه. قال: «تكون سورية كما كانت (قبل الأحداث) أو لن تكون لأحد». وبعد ثلاث سنوات يقول زوار طهران إن موقفها لم يتغيّر ولم يتزحزح.
ترجمت إيران قرارها بدعم مالي وسياسي وعسكري بلغ حد إعلان «حزب الله» اللبناني رسمياً انخراطه في الحرب السورية وبموازاة ميليشيات عراقية هبّت هي الأخرى لدعم النظام السوري.
القرار الثاني روسي. وهو منع الولايات المتحدة من استخدام مجلس الأمن لنزع الشرعية عن نظام الرئيس بشار الأسد وتوفير مظلة لتدخّل غربي يسرّع عملية إسقاطه. وفي موازاة ذلك، كثّفت روسيا عملية تسليح النظام وأنقذته من ورطة السلاح الكيماوي ومنحته عبر عملية «جنيف 1» و «جنيف 2» فرصة لتحسين مواقعه.
وبعد ثلاث سنوات، لا يبدو أن موسكو غيّرت موقفها. وثمة من يعتقد أن المشكلة الأوكرانية ستضاعف ميلها الى التشدد.
القرار الثالث أميركي. وهو قرار باراك أوباما بعدم إقحام أميركا في حرب جديدة. وأظهرت التطورات أن أوباما لم يكن راغباً في أي تدخل عسكري في سورية يمكن ان ينسف المفاوضات النووية مع إيران.
وهذا يفسّر مسارعة واشنطن الى الابتهاج بقرار سورية تسليم ترسانتها الكيماوية بضغط من روسيا ولإنقاذ النظام من تبعات هذا الملف الحساس. وبعد ثلاث سنوات لا شيء يشير إلى أن أميركا في صدد اتخاذ قرار بالتدخل في سورية وإن تكن تُجري حالياً مراجعة لخياراتها في ضوء تعاظم الخطر الإرهابي انطلاقاً من سورية ومسؤولية النظام عن تعاظمه.
بعد ثلاث سنوات يمكن القول إن السوريين فقدوا المبادرة في الصراع الدائر على أرضهم، وربما فقدوا معظم قدرتهم على القرار بسبب اعتمادهم المفرط على الدعم الخارجي. القوى التي أنقذت النظام حاضرة في القرار. والقوى التي دعمت المعارضة أيضاً. وخلال هذه السنوات تداخلت الحروب الدائرة على الأرض السورية. ثورة مسلّحة ضد النظام تدور على شفير حرب أهلية. تحوّلت المواجهة ايضاً جزءاً من النزاع السنّي - الشيعي في الإقليم. تحوّلت سورية في موازاة ذلك الى معقل لـ «القاعدة» وأشباهها وباتت أوضاعها تناقش من زاوية الإرهاب ومخاطره والحرب عليه.
على الصعيد الميداني يمكن القول ان النظام حسّن مواقعه خصوصاً في الشهور الماضية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه قادر على إعادة فرض سلطته على كامل الأراضي السورية. مثل هذا الحسم يستلزم معركة طويلة وباهظة الأثمان بشرياً لا يبدو النظام قادراً على دفعها. في المقابل لا شيء يشير إلى أن المعارضة قادرة على توجيه ضربة قاصمة الى النظام في المدى المنظور. تسليحها قد يساعدها على حماية مناطقها، لكنه لا يؤهلها لانتزاع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
الواقع الميداني يوحي باستمرار النزاع. وبقاء القرارات الإيرانية والروسية والأميركية على حالها يوحي بالأمر نفسه. بين المعنيين بالمأساة السورية من يتحدث عن ثلاث سنوات أخرى. يقولون إن سورية القديمة التي نعرفها انتهت. وإن السنوات الجديدة سترسم الحدود داخل سورية التي تصدّعت وحدتها الوطنية. وإن سورية المقبلة ستكون سورية الضعيفة التي ستتوزع على مكوناتها بعد ان تمضي سنوات في ظل تقسيم غير معلن وغير رسمي.
هل تستطيع المنطقة احتمال ثلاث سنوات أخرى من النكبة السورية؟ ماذا عن لبنان والعراق والأردن وتركيا؟ وماذا عن العلاقات الإيرانية - السعودية؟ وماذا عن النزاع السنّي- الشيعي وحروب «القاعدة»؟ الإجابة ليست سهلة. ملفّان يستحقان المتابعة حالياً: ذيول الأزمة الأوكرانية وزيارة أوباما القريبة الى السعودية.
(الحياة اللندنية)