هل الحكومة مأزومة أم يُخيل لنا ؟
عادل حواتمة
17-03-2014 03:07 PM
لا أجد ضيراً أن يعيش الأردن بمؤسساته الرسمية والشعبية حالة من الديمقراطية وانتصار الكل له من وجهة نظره التي يرى بأنها الاصلح، مع التسليم باختلاف حجم الحسابات وأهميتها فلكلٍ حساباته وقنواته وأدواته. وليست هذه المرة الأولى التي يعيش الأردن فيها أزمة مركبة داخلياً وخارجياً ولن تكون الأخيرة التي سيخرج منها أصلب وأقوى.
مجلس النواب مطالب بمواقف شعبية وحماسية والحكومة مطالبة بمواقف إجرائية وتنفيذية، وبين هذه وتلك مسافة من الاعتبارات التقييمية للموضوع. فلقد وصلت الأمور بعجالة ومحاكاة لردة الفعل الشعبية إلى تناغم نيابي ليكتمل الثلث الثاني من مكونات موقف اردني موحد على مستوى الدولة، والحكومة الآن مطالبة بأن تنفذ مجموعة مطالبات نيابية ثلاث يوم الثلاثاء أو بعضها، وإلا ستواجه المذكرة النيابية المشروطة بطرح الثقة بها .
والسؤال المطروح هنا حول تداعيات الثلاثاء، وهو ماذا سيكون مصير الحكومة ؟ هل سيكون مجرد تمرين وهمي تخرج بعده أكثر تماسكاً وقوة ؟ أم سيكون ضربة قاضية تمثلاً للمثل العربي القائل: من مأمنه يؤتى الحذر؟.
الإجابة على السؤال تستدعي قراءة المؤشرات الذاتية والموضوعية المصاحبة لعملية طرح الثقة من عدمها بموضوعية. ففيما يخص الذاتية منها، لا شك أن الحكومة ستفقد الزخم النيابي الذي كان حاضراً للدفاع عنها بمنطق وغيره، بوجود حالات واقعية أوجدها المجلس بحق أعضائه مؤخراً من الفصل و التجميد حيث سيكون هذا حاضراً ورادعاً من انتهاج سلوكيات سابقة غير محسوبة كتهريب النصاب والغياب وغيره. يصاحبها رغبة لدى البعض في الداخل للإجهاز على الحكومة لاعتبارات شخصية ومؤسسية.
أما تلك الموضوعية منها فالقضية التي أشعلت هذا الحراك الديموقراطي، قضية اجتماعية تتعلق بالكرامة وليست ذات منشأ اقتصادي كرفع أسعار وغيره ، والاول من أهم مكونات الشخصية الوطنية الأردنية، وبالتالي فإنها قضية شعبية تمتد جذورها لكل الاصول الأردنية المختلفة الأمر الذي ينسحب على ممثلي هذه المكونات تحت القبة لتبني المطالبات الجماهيرية؛ خوفاً من "المحرقة الشعبية "ما قد يصعّب موقف الحكومة.
فقدرة الحكومة على تجاوز هذا الموقف النيابي الصلب، دون شك من شأنه أن يعزز ثقة جلالة الملك بها من ناحية قوة التكيف والتعايش لديها مع المجلس الحالي على الأقل، والخروج بسلام ودون تشظي مميت من الأزمات التي نشأت وتنشأ مستقبلاً. ولكن الخروج بعافية يحتاج للتعامل مع الموقف من كل أبعاده.
فالحقيقة أن الموقف النيابي المتصلب من القضية هو ذاته إلى الآن على الأقل وبالتالي فإنها برأيي أمام خيارين، أحدهما يتعلق بتبني وتنفيذ بعض المطالب النيابية والمعبرة حقيقة عن نبض الشارع الاردني الإيسر فالأيسر، ولتبدأ بإطلاق سراح الدقامسة، وتربط مشاورة السفير الاردني واعتبارا السفير الاسرائيلي في عمان غير مرغوب فيه، بما يتم التوصل اليه من نتائج التحقيق المشترك والتي تدين الجندي الإسرائيلي بشكل أكبر، لأنه لن تخلو النتائج من تحميل الشهيد زعيتر جزء ولو يسير من المسؤولية.
بالمقابل ما هي المكاسب التي سوف تحققها الحكومة جرّاء اتباعها ذلك السلوك؟ لعل أهمها تلك السياسية التي تعنى بإيصال الرسائل المختلفة للإقليم والخارج بتكامل البعدين الشعبي والمؤسسي نتيجة تبني مواقف شعبية مؤطرة وغير مؤطرة يُعبر عنها بالمسيرات والمؤتمرات وكافة الفعاليات السلمية تجاه قضايا مشابهة أو أكثر تعقيداُ سيما ملف كيري.
كما ستحقق مكسباً اجتماعياُ بتخفيف الإحتقانات في الشارع الاردني، وكسب الرأي العام وتصليب الوحدة الوطنية، وإظهار أهمية التهديد بتناول معاهدة السلام تعديلاً أو إلغاءً بجسامة ما قد يهدد استقرار الاردن لا سمح الله لتصبح أكثر قيمة كورقة تأثير استراتيجية، لا أن يتم التلويح بها معظم الأوقات جزافاً وبالتالي تفقد قيمتها .
أما إذا كان خيارها الثاني يخلو من التفاعلية مع المطالب النيابية المعبرة عن الشارع أو بعضها ، فهي ذاهبة إلى طريقين لا ثالث لهما، أولهما طرح الثقة وهذه خطوة غير محسومة لطرف دون الاخر فجلسة التصويت يسودها الحماسة أكثر من الحكمة.
وثانيهما طلب التأجيل مدة عشرة أيام بحكم الدستور، ويدخل في هذا الأخير الترقب لحين ظهور نتائج التحقيق المشترك التي قد تأخذ أبعاداً مختلفة، وبالتالي انخفاض منسوب الحدية العاطفية في التعاطي مع القضية وتضمينها شيء من العقلانية، ولا يعني أن ظهور النتائج سوف يبرد القلوب ، فالتجارب السابقة والتاريخ القضائي الاسرائيلي معروف للجميع وسوف يشير الى أنه لن تكون هناك مسؤولية منفردة على الجندي الاسرائيلي ،الأمر الذي قد يؤزم الشارع الاردني من جديد، وهذا ما تسعى الحكومة لاجتنابه. كما يدخل في هذا السياق موافقة جلالة الملك لإجراء تعديل حكومي يشارك به النواب، على أن يأخذ طابع الواقع بعيداً عن التفكير والتوجه و الدراسة، مما يبلور الموقف لاحقاً ويطبعه بالتكاملية والشمولية من ناحية، و بشرعية شعبية ومؤسسية من ناحية اخرى الامر الذي يمنح الحكومة عمراً اضافياً .