تركيا تغص بنجاحاتها (2-1)
فهد الخيطان
17-03-2014 02:06 AM
قصة النجاح التركية تواجه في هذه الأوقات منعطفا خطيرا. الدولة التي تمكنت، وبقيادة حزب العدالة والتنمية، من تصفير مشاكلها الاقتصادية والسياسية والإقليمية، تفجرت في وجهها، وعلى نحو مفاجىء، جملة من المشاكل الداخلية والخارجية، ومتى؟ في وقت تقترب فيه حقبة زعيمها رجب طيب أردوغان من نهايتها.
لا تجد نخبة الحكم والحزب الحاكم في تركيا من وصف لما يجري في بلادهما غير "المؤامرة"؛ مؤامرة بدأت فصولها في ميدان "تقسيم" حزيران (يونيو) الماضي، وتواصلت عبر وسائل إعلام غربية، وبلغت ذروتها في أحداث 17 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بانكشاف حقيقة الحليف التاريخي للحزب؛ حركة الخدمة، بزعامة المفكر الديني فتح الله غولن المقيم منذ سنوات في أميركا.
دول عربية عديدة متورطة في المؤامرة على حد قول قيادي بارز في الحزب، ومعها قوى غربية لا يروق لها تحول تركيا إلى قوة اقتصادية وإقليمية في المنطقة والعالم.
ملفات الفساد التي تكشفت مؤخرا، لم تكن سوى محاولة لتشويه صورة أردوغان، عبر اتهام مقربين منه بالتورط فيها. أما الشركات التي دارت حولها الشبهات، فهي كما قال نائب رئيس الوزراء التركي أمرالله إشلر لوفد صحفي أردني، الشركات التي أُحيلت عليها عطاءات لتنفيذ سلسلة من المشاريع العملاقة في تركيا، من أهمها مطار جديد في اسطنبول سيكون الأكبر في أوروبا. والهدف من وجهة نظره واضح؛ تعطيل عجلة التقدم في تركيا، وإرباك أردوغان قبيل الانتخابات المحلية "البلدية" المزمعة نهاية الشهر الحالي.
أردوغان، ومن خلفه حزب يضم في صفوفه نحو تسعة ملايين عضو، يخوض اليوم معركة على كل الجبهات.
معركة مع أتباع فتح الله غولن بعد أن انفرط عقد التحالف بين الطرفين، فسارع أعضاء الجماعة الدينية المتغلغلين في دوائر القضاء والشرطة والوزارات، إلى نشر تسجيلات صوتية لمئات المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم أردوغان نفسه. فقد أظهرت التحقيقات أن جماعة غولن زرعت أجهزة التنصت في كل مكان، وحتى في منزل أردوغان شخصيا.
أردوغان قرر شن حملة واسعة لتطهير أجهزة الدولة من اتباع الجماعة، ويبدو أن المعركة ستستغرق وقتا طويلا.
وبفعل هذه المواجهة و"المؤامرة" الخارجية، اكتسبت الانتخابات البلدية طابعا سياسيا، وتحديا شخصيا لشعبية أردوغان الذي يُمضي جل وقته حاليا في التنقل بين الولايات التركية لحشد الناخبين خلف مرشحي الحزب. في اليوم الواحد، يلقي أردوغان خطابين وسط حضور شعبي كبير.
وتشير آخر استطلاعات الرأي في المدن الكبرى؛ اسطنبول وأنقرة تحديداً، إلى تقدم مرشحي حزب العدالة والتنمية على منافسيهم.
بعد الانتخابات البلدية، يستعد أردوغان لمعركة رئاسة الجمهورية؛ فلأول مرة، يجري اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب المباشر. قبل شهر آب (أغسطس)، يتعين على أردوغان أن يحسم خيارته؛ إما الترشح لرئاسة الجمهورية، أو مغادرة مسرح السياسة. وفي أوساط الحزب، يحتدم نقاش ساخن بين من يدعو إلى تعديل النظام الداخلي للحزب بما يسمح لأردوغان بالترشح لرئاسة الوزراء مرة رابعة، وبين من يعارض هذا التوجه، وفي مقدمتهم أردوغان نفسه الذي يميل، حسب مقربين منه، إلى المحافظة على التقاليد الديمقراطية، وعندها سيكتفي بمنصب رئيس الجمهورية، تاركا الحلبة لبضعة شخصيات في الحزب للتنافس على خلافته.
لكن، ثمة قناعة لدى الطرفين بأن مصير الحزب سيكون مجهولا بعد أردوغان.
وفي كل الأحوال، تركيا تقف على مفترق طرق؛ فبعد أن بلغت ذروة مجدها في عهد أردوغان، تبدو وكأنها تغص بنجاحاتها اليوم.
غدا نكمل عن موقف تركيا من تطورات المشهد العربي؛ الأزمة في سورية، والتطورات في مصر، والعلاقات مع السعودية.
(الغد)