جميل ما كنا نسمع منذ أصبحنا رجالا نسمع الأخبار قبل أن نصبح جزءاً منها ومن صنعها ونقلها الى العالم، فقد كان الأردن يتلقى كلمات الإشادة من الأشقاء و الأصدقاء ،ودائما ما يوصف بأنه صديق لهذا العالم الذي لا يبني صداقاته إلا على كفة ميزان المصالح ، وكثيرا ما سمعنا من الخارج ومن الداخل الأردني وصف الأردن بأنه « السند» في كل الظروف والقضايا التي تمر بها أمة العرب ودولهم ومصائبهم ، ثم يجد نفسه فجأة في ظروف محرجة خارج دائرة المشاعر ، فلا باك لمصيبته ولا شاك لحاله ممن أقرضهم ديون الإسناد والمشاركة بلا فوائد مركبة ، كما يحدث مع قروض الكراهية التي تمنحها بنوك التشكيك والشماتة المحلية والعربية.
ما يدفع أحيانا الى إجترار مشاعر الحزن على وطني هو الخبر يتسلل دوما بين آلاف العناوين اليومية ليشرح كيف أن الأردن استطاع إقناع الجهات المانحة للموافقة على قرض بقيمة كذا مليون دينار، لتركب فوق جبل المديونية الثقيل ، ومع هذا المنّ الإقراضي يبرز الشرط الأكثر إيلاما، وهو تخصيصه لذلك المشروع بعينه ، فلم تعد القروض مشروطة فقط ، بل حتى قنوات إنفاقها مشروطة ، وهذا وضع صحيح لضبط الإنفاق والشفافية ، ولكن خبرا أخير يوضح أن قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 250 مليون دولار مخصص للدعم الحكومي لمواجهة ضغوط اللاجئين السوريين والتداعيات الإقليمية، وهذا يفتح الباب على جهد البلاء وشماتة الأصدقاء.
حينما يتحمل أي بلد في العالم مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والسياسية لا بد من شروط لهذه الأخلاق وهذه الإنسانية ، على فرض أن المسؤولية السياسية مرتبطة بقاعدة المصالح ، ومن الشروط الأساسية للقيام بالواجبات الإنسانية توفر فائض في ميزانية الدولة من المليارات لا يؤثر فقدانها على الدولة كما هو دول قريبة وبعيدة ، أو فتح فاتورة مالية ، نقدا أو ذمما ، غير مشروطة ولا محددة السقوف تتضمن أيضا بند منح عاجلة وفورية لتأمين الأضرار الجانبية نتيجة القيام بالمهمات الإنسانية اجتماعيا وبنيويا تحتيا لبلد اللجوء أو الحاضنة السياسية كما هو حال الأردن ، أما غير ذلك فهو توريط ذاتي للنفس في شبكة هذا العالم العنيف جدا وغير المتسامح وغير الكريم.
من غير المقبول أن يبقى الأردن بلا إسناد من الدول المعنية والمشاركة بالمشكلة السورية ، فالمساعدات أغلبها تذهب عبر قنوات خاصة الى اللاجئين السوريين مثلا ، وهناك سوق موازية لتلك المساعدات ،هناك كوبونات تصرف على شكل أغذية يمكن استبدالها نقدا من قبل اللاجئين ، وهناك إقامة مجانية في المخيمات التي تحّمل الأردن الجزء الأكبر منها ، ولا يتحمل اللاجىء « فك الله كربته» فاتورة الماء ولا الكهرباء أو التعليم و العلاج والأمن ، بينما هناك آلاف القرى الأردنية لا يحلم أهلها بهذه الخدمات المجانية على بساطتها ، ولا تستطيع أي حكومة أردنية توفير رفاهية الفقراء هذه لأطول أمد أكثر من ذلك في ظل حاجتنا لـ أربعة مليارات دولار للقيام بمهماته الإنسانية للسنتين القادمتين في المقابل وخلال الأسبوع الماضي حين استشهد القاضي الأردني رائد زعيتر على يد جنديين إسرائيليين بدم بارد ، وبعيدا عن الحديث بهذه الحيثية ، فقد كان» بني غانتس» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يشارك في حفل على شاطى ميامي لمجموعة أصدقاء الجيش الإسرائيلي هناك ، و هذه الحفلات في أمريكا لوحدها تدر تبرعات مالية بالمليارات لإسرائيل لا تدخل ضمن إحصائية الدعم الرسمي من واشنطن التي تخضع لرقابة الكونغرس ، وهناك آلاف الأغنياء اليهود والمتعاطفين مع إسرائيل والجمعيات الأهلية التي تضخ مليارات الدولارات سنويا لدعم الجمعيات المدنية وداعمي الإستيطان لشراء أراض أو بيوت في القدس العربية.
في المقابل لا نجد في أي بلد عربي أو إسلامي أي جمعية أهلية أو ملياردير ما يقدمون أي دعم مخصص لهذا البلد «السند» أو لأهله « المرابطين على الثغور» لإسنادهم ، فكل ما هنالك دعوات للجهاد والحرب على العدو واحتلال المناطق المتاخمة للحدود الأردنية ، وكل ذلك باسم العروبة والقومية والدين والمصير المشترك ، ثم حالنا يفسره الشاعر بالقول: حتى على الموت لا أخلو من الحسد.
(الرأي)