أحاديث في الفكر والسياسة ..
ابراهيم العجلوني
18-02-2008 02:00 AM
يوسف الكيماوي ومعجزات الخصخصة..
ثمة، في المشتغلين بالاقتصاد في عالمنا العربي، من يذكرنا بشخصية طريفة ذكرها شهاب الدين النويري في الصفحات الأخيرة من موسوعته التاريخية: "نهاية الأرب في فنون الأدب" تحت عنوان: "ذكر خبر يوسف الكيماوي".أما وجه الشبة بين يوسف الكيماوي هذا وبين عباقرة الخصخصة في بلادنا العربية فهو إدعاء القدرة على إتيان المعجزات، وإحكام التلبيس على الناس في ذلك حتى على الأذكياء والخواص منهم.
كان يوسف الكيماوي قد ادعى أنه "وصل إلى علم الكيمياء"، ثم "تنقل في مدن الشام وقراها وتَحيّل على أهلها"، ولما انتهى أمره إلى نائب السلطنة سيف الدين تنكز "أحضره، واتضح له حاله، فهم بقتله وإعدامه، فقال له: أرسلني إلى السلطان، فإنني إذا وصلت إليه ملأت له قلعة الجبل ذهباً وفضة، فجهزه إلى الأبواب السلطانية" ومثُل بين يدي السلطان "يوم الخميس السابع عشر من شهر رمضان" من عام 730 للهجرة، حيث قام ببعض حيله فأنعم السلطان عليه "وخلع عليه خلعة سنية"، ثم بما لبث أن انكشف أمره فقُبض عليه بعد اختفاء في مدينة أخمين في صعيد مصر، وكان عبرة للمعتبرين..
ولقد كان من شأن صاحبنا الكيماوي أن "طلب من السلطان فضة مصفّاة وذهباً إيطالياً، وزئبقاً، فطُلب الزئبق من القاهرة ومصر والإسكندرية، واستنفد جميع ما عند الناس من الزئبق، وأخذ جملة من الذهب، وأحضر إلى السلطان ألف دينار وادعى أنها من صنعته فوهبه إياها وأنعم عليه بفرس بسرج ولجام وكنبوش حرير" وكان ذلك قبل أن ينكشف أمره وتنكشف أكاذيبه وباطل ما كان يَعِدُ ويمنّي..
وإذا كان يوسف الكيماوي قد استقر تحت أطباق الثرى منذ ما يقارب سبعمئة عام، فإن إنموذجه قائم بيننا اليوم في عباقرة متصارخين يعدوننا ويمنوننا بتحويل التراب إلى ذهب، ويتوسلون إلى ذلك بألوان من الخصخصات، والشراكات الاستراتيجية، ويعلنون كلّ حين أرقاماً ومعادلاتٍ وألغازاً يلبِّسون بها علينا؛ ثم لا يلبث أن ينكشف حالهم، فإذا نحن في عواقب وخيمة ظاهرة وفي أيام صعبة قاهرة، وإذا نحن قد استنفدنا زئبقنا كله دون أن نظفر بالذهب الموعود، بل دون أن نطمئن إلى كفاف يومنا الذي يقيم الأود ويطفئ الجوعة ويدفع البرد ويبقي على الحياة.
إن حاجتنا قائمة منذ حين إلى وعي اقتصادي سليم يحول بيننا وبين أن ننخدع عن واقعنا الذي نعيش، وإلى أن نعلّق أبصارنا بحقائق هذا الواقع المر، لا بألاعيب الحواة ولا بالذي يدّعون أو يأفكون، ولكن كيماويي الخصخصة ودعاة الشراكة الاستراتيجية يحولون دون ذلك ويخدعوننا عنه بتهاويل معجبة وادعاءات باهرة؛ ولعل هؤلاء أن يكونوا هم الذين يوطئون الأكناف لاحتلالات فوق بنفسجية تتملّك أوطاننا وتستبدّ بشعوبنا، وتضرب على إمكان تحررنا واستقلالنا بالأسداد.